مصاحف الكتاب الاسلامي

/// /////

سورة الأنبياء

سورة الأنبياء

الثلاثاء، 15 مارس 2022

تفسير سورة الأنبياء في الدر المنثور



 تفسير سورة الأنبياء في الدر المنثور 
 
 اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8) ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9) لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)
 
  
الأنبياء - تفسير الدر المنثور  
 
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
21
سُورَة الْأَنْبِيَاء
مَكِّيَّة وآياتها اثْنَتَا عشرَة وَمِائَة
مُقَدّمَة سُورَة الْأَنْبِيَاء أخرج النّحاس فِي ناسخه وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الْأَنْبِيَاء بِمَكَّة
وَأخر البُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير قَالَ: نزلت سُورَة الْأَنْبِيَاء بِمَكَّة
 
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن الضريس عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: بَنو إِسْرَائِيل والكهف وَمَرْيَم وطه والأنبياء هن من الْعتاق الأول وَهن من تلادي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن عَسَاكِر عَن عَامر بن ربيعَة أَنه نزل بِهِ رجل من الْعَرَب وَأكْرم عَامر مثواه وكلم فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَاء الرجل فَقَالَ: إِنِّي استقطعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاديا مَا فِي الْعَرَب أفضل مِنْهُ وَقد أردْت أَن أقطع لَك مِنْهُ قِطْعَة تكون لَك ولعقبك
 
فَقَالَ عَامر: لَا حَاجَة لي فِي قطيعتك نزلت الْيَوْم سُورَة أذهلتنا عَن الدُّنْيَا {اقْترب للنَّاس حسابهم وهم فِي غَفلَة معرضون}
الْآيَة 1 - 15 
 
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8) ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9) لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10) وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15) 
 
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {اقْترب للنَّاس حسابهم وهم فِي غَفلَة معرضون} قَالَ: من أَمر الدُّنْيَا
 
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {اقْترب للنَّاس حسابهم} قَالَ: مَا يوعدون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {مَا يَأْتِيهم من ذكر من رَبهم} يَقُول: مَا ينزل عَلَيْهِم شَيْء من الْقُرْآن
وَفِي قَوْله: {لاهية قُلُوبهم} قَالَ: غافلة
وَفِي قَوْله: {وأسروا النَّجْوَى الَّذين ظلمُوا} يَقُول: أَسرُّوا الَّذين ظلمُوا النَّجْوَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وأسروا النَّجْوَى} قَالَ: أَسرُّوا نَجوَاهُمْ بَينهم {هَل هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ} يعنون مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أفتأتون السحر} يَقُولُونَ: إِن مُتَابعَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُتَابعَة السحر
وَفِي قَوْله: {قَالَ رَبِّي يعلم القَوْل} قَالَ: الْغَيْب وَفِي قَوْله: {بل قَالُوا أضغاث أَحْلَام} قَالَ: أباطيل أَحْلَام
وَأخرج ابْن مَنْدَه وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَابْن عدي عَن جُنْدُب البَجلِيّ أَنه قتل ساحراً كَانَ عِنْد الْوَلِيد بن عقبَة ثمَّ قَالَ: {أفتأتون السحر وَأَنْتُم تبصرون}
(5/616)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {بل قَالُوا أضغاث أَحْلَام} أَي فعل الأحلام إِنَّمَا هِيَ رُؤْيا رَآهَا {بل افتراه بل هُوَ شَاعِر} كل هَذَا قد كَانَ مِنْهُ {فليأتنا بِآيَة كَمَا أرسل الأوّلون} كَمَا جَاءَ مُوسَى وَعِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ وَالرسل {مَا آمَنت قبلهم من قَرْيَة أهلكناها} أَي أَن الرُّسُل كَانُوا إِذا جاؤوا قَومهمْ بِالْآيَاتِ فَلم يُؤمنُوا لم ينْظرُوا
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ أهل مَكَّة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن كَانَ مَا تَقول حَقًا ويسرك أَن نؤمن فحوّل لنا الصَّفَا ذَهَبا
فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ: إِن شِئْت كَانَ الَّذِي سَأَلَك قَوْمك وَلكنه إِن كَانَ ثمَّ لم يُؤمنُوا لم ينْظرُوا وَإِن شِئْت اسْتَأْنَيْت بقومك
قَالَ: بل أستأني بقومي
فَأنْزل الله {مَا آمَنت قبلهم من قَرْيَة أهلكناها أفهم يُؤمنُونَ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أفهم يُؤمنُونَ} قَالَ: يصدقون بذلك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَمَا جعلناهم جسداً لَا يَأْكُلُون الطَّعَام} يَقُول: لم نجعلهم جسداً لَيْسَ يَأْكُلُون الطَّعَام إِنَّمَا جعلناهم جسداً يَأْكُلُون الطَّعَام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمَا كَانُوا خَالِدين} قَالَ: لَا بُد لَهُم من الْمَوْت أَن يموتوا
وَفِي قَوْله: {ثمَّ صدقناهم الْوَعْد} إِلَى قَوْله: {وأهلكنا المسرفين} قَالَ: هم الْمُشْركُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لقد أنزلنَا إِلَيْكُم كتابا فِيهِ ذكركُمْ} قَالَ: فِيهِ شرفكم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {كتابا فِيهِ ذكركُمْ} قَالَ: فِيهِ حديثكم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {كتابا فِيهِ ذكركُمْ} قَالَ: فِيهِ دينكُمْ أمسك عَلَيْكُم دينكُمْ بِكِتَابِكُمْ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {كتابا فِيهِ ذكركُمْ} يَقُول: فِيهِ ذكر مَا تعنون بِهِ وَأمر آخرتكم ودنياكم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بعث الله نَبيا من
(5/617)
حمير يُقَال لَهُ شُعَيْب فَوَثَبَ إِلَيْهِ عبد بعصا فَسَار إِلَيْهِم بخْتنصر فَقَاتلهُمْ فَقَتلهُمْ حَتَّى لم يبْق مِنْهُم شَيْء وَفِيهِمْ أنزل الله {وَكم قصمنا من قَرْيَة كَانَت ظالمة} إِلَى قَوْله: {خامدين}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ {وَكم قصمنا من قَرْيَة} قَالَ: هِيَ حصون بني أَزْد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَكم قصمنا من قَرْيَة} قَالَ: أهلكناها
وَفِي قَوْله: {لَا تركضوا} قَالَ: لَا تَفِرُّوا
وَفِي قَوْله: {لَعَلَّكُمْ تسْأَلُون} قَالَ: تتفهمون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع فِي الْآيَة قَالَ: كَانُوا إِذا أحسوا بِالْعَذَابِ وَذَهَبت عَنْهُم الرُّسُل من بعد مَا أنذروهم فكذبوهم فَلَمَّا فقدوا الرُّسُل وأحسوا بِالْعَذَابِ أَرَادوا الرّجْعَة إِلَى الْإِيمَان وركضوا هاربين من الْعَذَاب فَقيل لَهُم: لَا تركضوا
فعرفوا أَنه لَا محيص لَهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {إِذا هم مِنْهَا يركضون} قَالَ: يفرون
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَارْجِعُوا إِلَى مَا أترفتم فِيهِ} يَقُول: ارْجعُوا إِلَى دنياكم الَّتِي أترفتم فِيهَا {لَعَلَّكُمْ تسْأَلُون} من دنياكم شَيْئا استهزاء بهم
وَفِي قَوْله: {فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعوَاهُم} قَالَ: لما رَأَوْا الْعَذَاب وعاينوه لم يكن لَهُم هجيري إِلَّا قَوْلهم: {إِنَّا كُنَّا ظالمين} حَتَّى دمر الله عَلَيْهِم وأهلكهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {وَارْجِعُوا إِلَى مَا أترفتم فِيهِ} قَالَ: ارْجعُوا إِلَى دُوركُمْ وَأَمْوَالكُمْ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعوَاهُم} قَالَ: هم أهل حصون كَانُوا قتلوا نَبِيّهم فَأرْسل الله عَلَيْهِم بخْتنصر فَقَتلهُمْ
وَفِي قَوْله: {حَتَّى جعلناهم حصيداً خامدين} قَالَ: بِالسَّيْفِ ضربت الْمَلَائِكَة وُجُوههم حَتَّى رجعُوا إِلَى مساكنهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن وهب قَالَ: حَدثنِي رجل من المحررين قَالَ: كَانَ بِالْيمن قَرْيَتَانِ يُقَال لإحداهما حُضُور وَالْأُخْرَى فُلَانَة فبطروا وأترفوا حَتَّى كَانُوا
(5/618)
يغلقون أَبْوَابهم فَلَمَّا أترفوا بعث الله إِلَيْهِم نَبيا فَدَعَاهُمْ فَقَتَلُوهُ فَألْقى الله فِي قلب بخْتنصر أَن يغزوهم فَجهز إِلَيْهِم جَيْشًا فقاتلوهم فهزموا جَيْشه ثمَّ رجعُوا منهزمين إِلَيْهِ فَجهز إِلَيْهِم جَيْشًا آخر أكثف من الأول فهزموهم أَيْضا فَلَمَّا رأى بخْتنصر ذَلِك غزاهم هُوَ بِنَفسِهِ فقاتلوه فَهَزَمَهُمْ حَتَّى خَرجُوا مِنْهَا يركضون فَسَمِعُوا منادياً يَقُول: (لَا تركضوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أترفتم فِيهِ ومساكنكم) فَرَجَعُوا فَسَمِعُوا منادياً يَقُول: يَا لثارات النَّبِي فَقتلُوا بِالسَّيْفِ فَهِيَ الَّتِي قَالَ الله: {وَكم قصمنا من قَرْيَة} إِلَى قَوْله: {خامدين}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {حَتَّى جعلناهم حصيداً} قَالَ: الْحَصاد {خامدين} قَالَ: كخمود النَّار إِذا طفئت
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {خامدين} قَالَ: ميتين
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت لبيد بن ربيعَة وَهُوَ يَقُول: خلوا ثيابهن على عَوْرَاتهمْ فهم بأفنية الْبيُوت خمود
الْآيَة 16
(5/619)
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمَا خلقنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا لاعبين} يَقُول: مَا خلقناهما عَبَثا وَلَا بَاطِلا
الْآيَة 17 - 20
(5/619)
لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} قَالَ: اللَّهْو الْوَلَد
(5/619)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} الْآيَة
يَقُول: لَو أردْت أَن أَتَّخِذ ولدا لأتخذت من الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} قَالَ: النِّسَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: اللَّهْو بِلِسَان الْيمن الْمَرْأَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} قَالَ: اللَّهْو بلغَة أهل الْيمن الْمَرْأَة
وَفِي قَوْله: {إِن كُنَّا فاعلين} أَي إِن ذَلِك لَا يكون وَلَا يَنْبَغِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} قَالَ: نسَاء {لاتخذناه من لدنا} قَالَ: من الْحور الْعين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} قَالَ: لعباً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لاتخذناه من لدنا} قَالَ: من عندنَا {إِن كُنَّا فاعلين} أَي مَا كُنَّا فاعلين
يَقُول: وَمَا خلقنَا جنَّة وَلَا نَارا وَلَا موتا وَلَا بعثاً وَلَا حسابا وكل شَيْء فِي الْقُرْآن {إِن} فَهُوَ إِنْكَار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {بل نقذف بِالْحَقِّ} قَالَ: الْقُرْآن {على الْبَاطِل} قَالَ: اللّبْس {فَإِذا هُوَ زاهق} قَالَ: هَالك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلكم الويل مِمَّا تصفون} قَالَ: هِيَ وَالله لكل واصف كذب إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمن عِنْده} قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي اله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَلَا يستحسرون} يَقُول: لَا يرجعُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَول: {وَلَا يستحسرون} قَالَ: لَا يحسرون
(5/620)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا يستحسرون} قَالَ: لَا يعيون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وَلَا يستحسرون} قَالَ: لَا ينقطعون من الْعِبَادَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل رَضِي الله عَنهُ أَنه سَأَلَ كَعْبًا عَن قَوْله: {يسبحون اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يفترون} أما شغلهمْ رِسَالَة أما شغلهمْ عمل فَقَالَ: جعل لَهُم التَّسْبِيح كَمَا جعل لكم النَّفس أَلَسْت تَأْكُل وتشرب وتجيء وَتذهب وتتكلم وَأَنت تتنفس فَكَذَلِك جعل لَهُم التَّسْبِيح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يسبحون اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يفترون} قَالَ: جعلت أنفاسهم تسبيحاً
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: خلق الله الْمَلَائِكَة صمداً لَيْسَ لَهُم أَجْوَاف
الْآيَة 21 - 23
(5/621)
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أم اتَّخذُوا آلِهَة من الأَرْض هم ينشرون} قَالَ: يحيون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {أم اتَّخذُوا آلِهَة من الأَرْض هم ينشرون} قيقول: ينشرون الْمَوْتَى من الأَرْض يَقُول: يحيونهم من قُبُورهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {أم اتَّخذُوا آلِهَة من الأَرْض} يَعْنِي مِمَّا اتَّخذُوا من الْحِجَارَة والخشب
وَفِي قَوْله: {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله} قَالَ: لَو كَانَ مَعَهُمَا آلِهَة إِلَّا الله {لفسدتا فسبحان الله رب الْعَرْش} يسبح نَفسه تبَارك وَتَعَالَى إِذا قيل عَلَيْهِ الْبُهْتَان
(5/621)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل} قَالَ: بعباده {وهم يسْأَلُون} قَالَ: عَن أَعْمَالهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون} قَالَ: لَا يسْأَل الْخَالِق عَمَّا يقْضِي فِي خلقه والخلق مسؤولون عَن أَعْمَالهم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا فِي الأَرْض قوم أبْغض إليّ من الْقَدَرِيَّة وَمَا ذَلِك إِلَّا لأَنهم لَا يعلمُونَ قدرَة الله تَعَالَى
قَالَ الله: {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فِي بعض مَا أنزل الله فِي الْكتب: إِنِّي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا قدرت الْخَيْر وَالشَّر فطوبى لمن قدرت على يَده الْخَيْر ويسّرْتُه لَهُ وويل لمن قدرت على يَده الشَّرّ ويسرته لَهُ
إِنِّي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا لَا أُسْأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون فويل لمن قَالَ وَكَيف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: لما بعث الله موى وَكَلمه وَأنزل عَلَيْهِ التَّوْرَاة قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك رب عَظِيم لَو شِئْت أَن تطاع لأطعت وَلَو شِئْت أَن لَا تعصى مَا عصيت وَأَنت تحب أَن تطاع وَأَنت فِي ذَلِك تعصى فَكيف يَا رب فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن نوف الْبكالِي قَالَ: قَالَ عُزَيْر فِيمَا يُنَاجِي ربه: يَا رب تخلق خلقا (تضل بهَا من تشَاء وتهدي من تشَاء) (الْأَعْرَاف آيَة 155) فَقَالَ لَهُ: يَا عُزَيْر أعرض عَن هَذَا
فَأَعَادَ فَقيل لَهُ: لتعرضن عَن هَذَا وَإِلَّا محوتك من النبوّة إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن دَاوُد بن أبي هِنْد أَن عُزَيْرًا سَأَلَ ربه عَن الْقدر فَقَالَ: سَأَلتنِي عَن علمي عُقُوبَتك أَن لَا أسميك فِي الْأَنْبِيَاء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق مَيْمُون بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما بعث الله مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَأنزل عَلَيْهِ التَّوْرَاة قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك رب عَظِيم وَلَو شِئْت أَن تطاع لأطعت وَلَو شِئْت أَن لَا تعصى مَا عصيت وَأَنت تحب أَن تطاع وَأَنت فِي ذَلِك
(5/622)
تعصى فَكيف يَا رب فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون
فَانْتهى مُوسَى
فَلَمَّا بعث الله عُزَيْرًا وَأنزل عَلَيْهِ التَّوْرَاة بعد مَا كَانَ رَفعهَا عَن بني إِسْرَائِيل حَتَّى قَالَ: من قَالَ: إِنَّه ابْن الله قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك رب عَظِيم وَلَو شِئْت أَن تطاع لأطعت وَلَو شِئْت أَن لَا تعصى مَا عصيت وَأَنت تحب أَن تطاع وَأَنت فِي ذَلِك تعصى فَكيف يَا رب فَأوحى الله إِلَيْهِ إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون
فَأَبت نَفسه حَتَّى سَأَلَ أَيْضا فَقَالَ: أتستطيع أَن تصرّ صرة من الشَّمْس قَالَ: لَا
قَالَ: أفتستطيع أَن تَجِيء بِمِكْيَال من ريح قَالَ: لَا
قَالَ: أفتستطيع أَن تَجِيء بِمِكْيَال من ريح قَالَ: لَا
قَالَ: أفتستطيع أَن تَجِيء بمثقال من نور قَالَ: لَا
قَالَ: أفتستطيع أَن تَجِيء بقيراط من نور قَالَ: لَا
قَالَ: فَهَكَذَا إِن لَا تقدر على الَّذِي سَأَلت إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون أما أَنِّي لَا أجعَل عُقُوبَتك إِلَّا أَن أمحو اسْمك من الْأَنْبِيَاء فَلَا تذكر فيهم
فمحي اسْمه من الْأَنْبِيَاء فَلَيْسَ يذكر فيهم وَهُوَ نَبِي
فَلَمَّا بعث الله عِيسَى وَرَأى مَنْزِلَته من ربه وَعلمه الْكتاب وَالْحكمَة والتوراة وَالْإِنْجِيل وَيُبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الْمَوْتَى قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك رب عَظِيم لَو شِئْت أَن تطاع لأطعت وَلَو شِئْت أَن لَا تعصى مَا عصيت وَأَنت تحب أَن تطاع وَأَنت فِي ذَلِك تعصى فَكيف يَا رب فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون وَأَنت عَبدِي ورسولي وكلمتي ألقيتك إِلَى مَرْيَم وروح مني خلقتك من تُرَاب ثمَّ قلت لَك كن فَكنت لَئِن لم تَنْتَهِ لَأَفْعَلَنَّ بك كَمَا فعلت بصاحبك بَين يَديك
إِنِّي لَا أسَال عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون
فَجمع عِيسَى من تيعه وَقَالَ: الْقدر سرّ الله فَلَا تكلفوه
الْآيَة 24 - 25
(5/623)
======
وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)

الأنبياء - تفسير الدر المنثور
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
21
سُورَة الْأَنْبِيَاء
مَكِّيَّة وآياتها اثْنَتَا عشرَة وَمِائَة
مُقَدّمَة سُورَة الْأَنْبِيَاء أخرج النّحاس فِي ناسخه وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الْأَنْبِيَاء بِمَكَّة
وَأخر البُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير قَالَ: نزلت سُورَة الْأَنْبِيَاء بِمَكَّة
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن الضريس عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: بَنو إِسْرَائِيل والكهف وَمَرْيَم وطه والأنبياء هن من الْعتاق الأول وَهن من تلادي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن عَسَاكِر عَن عَامر بن ربيعَة أَنه نزل بِهِ رجل من الْعَرَب وَأكْرم عَامر مثواه وكلم فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَاء الرجل فَقَالَ: إِنِّي استقطعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاديا مَا فِي الْعَرَب أفضل مِنْهُ وَقد أردْت أَن أقطع لَك مِنْهُ قِطْعَة تكون لَك ولعقبك
فَقَالَ عَامر: لَا حَاجَة لي فِي قطيعتك نزلت الْيَوْم سُورَة أذهلتنا عَن الدُّنْيَا {اقْترب للنَّاس حسابهم وهم فِي غَفلَة معرضون}
الْآيَة 1 - 15
(5/615)
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8) ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9) لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10) وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {اقْترب للنَّاس حسابهم وهم فِي غَفلَة معرضون} قَالَ: من أَمر الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {اقْترب للنَّاس حسابهم} قَالَ: مَا يوعدون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {مَا يَأْتِيهم من ذكر من رَبهم} يَقُول: مَا ينزل عَلَيْهِم شَيْء من الْقُرْآن
وَفِي قَوْله: {لاهية قُلُوبهم} قَالَ: غافلة
وَفِي قَوْله: {وأسروا النَّجْوَى الَّذين ظلمُوا} يَقُول: أَسرُّوا الَّذين ظلمُوا النَّجْوَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وأسروا النَّجْوَى} قَالَ: أَسرُّوا نَجوَاهُمْ بَينهم {هَل هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ} يعنون مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أفتأتون السحر} يَقُولُونَ: إِن مُتَابعَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُتَابعَة السحر
وَفِي قَوْله: {قَالَ رَبِّي يعلم القَوْل} قَالَ: الْغَيْب وَفِي قَوْله: {بل قَالُوا أضغاث أَحْلَام} قَالَ: أباطيل أَحْلَام
وَأخرج ابْن مَنْدَه وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَابْن عدي عَن جُنْدُب البَجلِيّ أَنه قتل ساحراً كَانَ عِنْد الْوَلِيد بن عقبَة ثمَّ قَالَ: {أفتأتون السحر وَأَنْتُم تبصرون}
(5/616)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {بل قَالُوا أضغاث أَحْلَام} أَي فعل الأحلام إِنَّمَا هِيَ رُؤْيا رَآهَا {بل افتراه بل هُوَ شَاعِر} كل هَذَا قد كَانَ مِنْهُ {فليأتنا بِآيَة كَمَا أرسل الأوّلون} كَمَا جَاءَ مُوسَى وَعِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ وَالرسل {مَا آمَنت قبلهم من قَرْيَة أهلكناها} أَي أَن الرُّسُل كَانُوا إِذا جاؤوا قَومهمْ بِالْآيَاتِ فَلم يُؤمنُوا لم ينْظرُوا
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ أهل مَكَّة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن كَانَ مَا تَقول حَقًا ويسرك أَن نؤمن فحوّل لنا الصَّفَا ذَهَبا
فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ: إِن شِئْت كَانَ الَّذِي سَأَلَك قَوْمك وَلكنه إِن كَانَ ثمَّ لم يُؤمنُوا لم ينْظرُوا وَإِن شِئْت اسْتَأْنَيْت بقومك
قَالَ: بل أستأني بقومي
فَأنْزل الله {مَا آمَنت قبلهم من قَرْيَة أهلكناها أفهم يُؤمنُونَ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أفهم يُؤمنُونَ} قَالَ: يصدقون بذلك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَمَا جعلناهم جسداً لَا يَأْكُلُون الطَّعَام} يَقُول: لم نجعلهم جسداً لَيْسَ يَأْكُلُون الطَّعَام إِنَّمَا جعلناهم جسداً يَأْكُلُون الطَّعَام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمَا كَانُوا خَالِدين} قَالَ: لَا بُد لَهُم من الْمَوْت أَن يموتوا
وَفِي قَوْله: {ثمَّ صدقناهم الْوَعْد} إِلَى قَوْله: {وأهلكنا المسرفين} قَالَ: هم الْمُشْركُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لقد أنزلنَا إِلَيْكُم كتابا فِيهِ ذكركُمْ} قَالَ: فِيهِ شرفكم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {كتابا فِيهِ ذكركُمْ} قَالَ: فِيهِ حديثكم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {كتابا فِيهِ ذكركُمْ} قَالَ: فِيهِ دينكُمْ أمسك عَلَيْكُم دينكُمْ بِكِتَابِكُمْ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {كتابا فِيهِ ذكركُمْ} يَقُول: فِيهِ ذكر مَا تعنون بِهِ وَأمر آخرتكم ودنياكم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بعث الله نَبيا من
(5/617)
حمير يُقَال لَهُ شُعَيْب فَوَثَبَ إِلَيْهِ عبد بعصا فَسَار إِلَيْهِم بخْتنصر فَقَاتلهُمْ فَقَتلهُمْ حَتَّى لم يبْق مِنْهُم شَيْء وَفِيهِمْ أنزل الله {وَكم قصمنا من قَرْيَة كَانَت ظالمة} إِلَى قَوْله: {خامدين}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ {وَكم قصمنا من قَرْيَة} قَالَ: هِيَ حصون بني أَزْد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَكم قصمنا من قَرْيَة} قَالَ: أهلكناها
وَفِي قَوْله: {لَا تركضوا} قَالَ: لَا تَفِرُّوا
وَفِي قَوْله: {لَعَلَّكُمْ تسْأَلُون} قَالَ: تتفهمون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع فِي الْآيَة قَالَ: كَانُوا إِذا أحسوا بِالْعَذَابِ وَذَهَبت عَنْهُم الرُّسُل من بعد مَا أنذروهم فكذبوهم فَلَمَّا فقدوا الرُّسُل وأحسوا بِالْعَذَابِ أَرَادوا الرّجْعَة إِلَى الْإِيمَان وركضوا هاربين من الْعَذَاب فَقيل لَهُم: لَا تركضوا
فعرفوا أَنه لَا محيص لَهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {إِذا هم مِنْهَا يركضون} قَالَ: يفرون
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَارْجِعُوا إِلَى مَا أترفتم فِيهِ} يَقُول: ارْجعُوا إِلَى دنياكم الَّتِي أترفتم فِيهَا {لَعَلَّكُمْ تسْأَلُون} من دنياكم شَيْئا استهزاء بهم
وَفِي قَوْله: {فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعوَاهُم} قَالَ: لما رَأَوْا الْعَذَاب وعاينوه لم يكن لَهُم هجيري إِلَّا قَوْلهم: {إِنَّا كُنَّا ظالمين} حَتَّى دمر الله عَلَيْهِم وأهلكهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {وَارْجِعُوا إِلَى مَا أترفتم فِيهِ} قَالَ: ارْجعُوا إِلَى دُوركُمْ وَأَمْوَالكُمْ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعوَاهُم} قَالَ: هم أهل حصون كَانُوا قتلوا نَبِيّهم فَأرْسل الله عَلَيْهِم بخْتنصر فَقَتلهُمْ
وَفِي قَوْله: {حَتَّى جعلناهم حصيداً خامدين} قَالَ: بِالسَّيْفِ ضربت الْمَلَائِكَة وُجُوههم حَتَّى رجعُوا إِلَى مساكنهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن وهب قَالَ: حَدثنِي رجل من المحررين قَالَ: كَانَ بِالْيمن قَرْيَتَانِ يُقَال لإحداهما حُضُور وَالْأُخْرَى فُلَانَة فبطروا وأترفوا حَتَّى كَانُوا
(5/618)
يغلقون أَبْوَابهم فَلَمَّا أترفوا بعث الله إِلَيْهِم نَبيا فَدَعَاهُمْ فَقَتَلُوهُ فَألْقى الله فِي قلب بخْتنصر أَن يغزوهم فَجهز إِلَيْهِم جَيْشًا فقاتلوهم فهزموا جَيْشه ثمَّ رجعُوا منهزمين إِلَيْهِ فَجهز إِلَيْهِم جَيْشًا آخر أكثف من الأول فهزموهم أَيْضا فَلَمَّا رأى بخْتنصر ذَلِك غزاهم هُوَ بِنَفسِهِ فقاتلوه فَهَزَمَهُمْ حَتَّى خَرجُوا مِنْهَا يركضون فَسَمِعُوا منادياً يَقُول: (لَا تركضوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أترفتم فِيهِ ومساكنكم) فَرَجَعُوا فَسَمِعُوا منادياً يَقُول: يَا لثارات النَّبِي فَقتلُوا بِالسَّيْفِ فَهِيَ الَّتِي قَالَ الله: {وَكم قصمنا من قَرْيَة} إِلَى قَوْله: {خامدين}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {حَتَّى جعلناهم حصيداً} قَالَ: الْحَصاد {خامدين} قَالَ: كخمود النَّار إِذا طفئت
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {خامدين} قَالَ: ميتين
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت لبيد بن ربيعَة وَهُوَ يَقُول: خلوا ثيابهن على عَوْرَاتهمْ فهم بأفنية الْبيُوت خمود
الْآيَة 16
(5/619)
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمَا خلقنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا لاعبين} يَقُول: مَا خلقناهما عَبَثا وَلَا بَاطِلا
الْآيَة 17 - 20
(5/619)
لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} قَالَ: اللَّهْو الْوَلَد
(5/619)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} الْآيَة
يَقُول: لَو أردْت أَن أَتَّخِذ ولدا لأتخذت من الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} قَالَ: النِّسَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: اللَّهْو بِلِسَان الْيمن الْمَرْأَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} قَالَ: اللَّهْو بلغَة أهل الْيمن الْمَرْأَة
وَفِي قَوْله: {إِن كُنَّا فاعلين} أَي إِن ذَلِك لَا يكون وَلَا يَنْبَغِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} قَالَ: نسَاء {لاتخذناه من لدنا} قَالَ: من الْحور الْعين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} قَالَ: لعباً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لاتخذناه من لدنا} قَالَ: من عندنَا {إِن كُنَّا فاعلين} أَي مَا كُنَّا فاعلين
يَقُول: وَمَا خلقنَا جنَّة وَلَا نَارا وَلَا موتا وَلَا بعثاً وَلَا حسابا وكل شَيْء فِي الْقُرْآن {إِن} فَهُوَ إِنْكَار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {بل نقذف بِالْحَقِّ} قَالَ: الْقُرْآن {على الْبَاطِل} قَالَ: اللّبْس {فَإِذا هُوَ زاهق} قَالَ: هَالك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلكم الويل مِمَّا تصفون} قَالَ: هِيَ وَالله لكل واصف كذب إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمن عِنْده} قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي اله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَلَا يستحسرون} يَقُول: لَا يرجعُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَول: {وَلَا يستحسرون} قَالَ: لَا يحسرون
(5/620)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا يستحسرون} قَالَ: لَا يعيون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وَلَا يستحسرون} قَالَ: لَا ينقطعون من الْعِبَادَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل رَضِي الله عَنهُ أَنه سَأَلَ كَعْبًا عَن قَوْله: {يسبحون اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يفترون} أما شغلهمْ رِسَالَة أما شغلهمْ عمل فَقَالَ: جعل لَهُم التَّسْبِيح كَمَا جعل لكم النَّفس أَلَسْت تَأْكُل وتشرب وتجيء وَتذهب وتتكلم وَأَنت تتنفس فَكَذَلِك جعل لَهُم التَّسْبِيح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يسبحون اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يفترون} قَالَ: جعلت أنفاسهم تسبيحاً
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: خلق الله الْمَلَائِكَة صمداً لَيْسَ لَهُم أَجْوَاف
الْآيَة 21 - 23
(5/621)
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أم اتَّخذُوا آلِهَة من الأَرْض هم ينشرون} قَالَ: يحيون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {أم اتَّخذُوا آلِهَة من الأَرْض هم ينشرون} قيقول: ينشرون الْمَوْتَى من الأَرْض يَقُول: يحيونهم من قُبُورهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {أم اتَّخذُوا آلِهَة من الأَرْض} يَعْنِي مِمَّا اتَّخذُوا من الْحِجَارَة والخشب
وَفِي قَوْله: {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله} قَالَ: لَو كَانَ مَعَهُمَا آلِهَة إِلَّا الله {لفسدتا فسبحان الله رب الْعَرْش} يسبح نَفسه تبَارك وَتَعَالَى إِذا قيل عَلَيْهِ الْبُهْتَان
(5/621)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل} قَالَ: بعباده {وهم يسْأَلُون} قَالَ: عَن أَعْمَالهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون} قَالَ: لَا يسْأَل الْخَالِق عَمَّا يقْضِي فِي خلقه والخلق مسؤولون عَن أَعْمَالهم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا فِي الأَرْض قوم أبْغض إليّ من الْقَدَرِيَّة وَمَا ذَلِك إِلَّا لأَنهم لَا يعلمُونَ قدرَة الله تَعَالَى
قَالَ الله: {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فِي بعض مَا أنزل الله فِي الْكتب: إِنِّي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا قدرت الْخَيْر وَالشَّر فطوبى لمن قدرت على يَده الْخَيْر ويسّرْتُه لَهُ وويل لمن قدرت على يَده الشَّرّ ويسرته لَهُ
إِنِّي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا لَا أُسْأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون فويل لمن قَالَ وَكَيف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: لما بعث الله موى وَكَلمه وَأنزل عَلَيْهِ التَّوْرَاة قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك رب عَظِيم لَو شِئْت أَن تطاع لأطعت وَلَو شِئْت أَن لَا تعصى مَا عصيت وَأَنت تحب أَن تطاع وَأَنت فِي ذَلِك تعصى فَكيف يَا رب فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن نوف الْبكالِي قَالَ: قَالَ عُزَيْر فِيمَا يُنَاجِي ربه: يَا رب تخلق خلقا (تضل بهَا من تشَاء وتهدي من تشَاء) (الْأَعْرَاف آيَة 155) فَقَالَ لَهُ: يَا عُزَيْر أعرض عَن هَذَا
فَأَعَادَ فَقيل لَهُ: لتعرضن عَن هَذَا وَإِلَّا محوتك من النبوّة إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن دَاوُد بن أبي هِنْد أَن عُزَيْرًا سَأَلَ ربه عَن الْقدر فَقَالَ: سَأَلتنِي عَن علمي عُقُوبَتك أَن لَا أسميك فِي الْأَنْبِيَاء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق مَيْمُون بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما بعث الله مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَأنزل عَلَيْهِ التَّوْرَاة قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك رب عَظِيم وَلَو شِئْت أَن تطاع لأطعت وَلَو شِئْت أَن لَا تعصى مَا عصيت وَأَنت تحب أَن تطاع وَأَنت فِي ذَلِك
(5/622)
تعصى فَكيف يَا رب فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون
فَانْتهى مُوسَى
فَلَمَّا بعث الله عُزَيْرًا وَأنزل عَلَيْهِ التَّوْرَاة بعد مَا كَانَ رَفعهَا عَن بني إِسْرَائِيل حَتَّى قَالَ: من قَالَ: إِنَّه ابْن الله قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك رب عَظِيم وَلَو شِئْت أَن تطاع لأطعت وَلَو شِئْت أَن لَا تعصى مَا عصيت وَأَنت تحب أَن تطاع وَأَنت فِي ذَلِك تعصى فَكيف يَا رب فَأوحى الله إِلَيْهِ إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون
فَأَبت نَفسه حَتَّى سَأَلَ أَيْضا فَقَالَ: أتستطيع أَن تصرّ صرة من الشَّمْس قَالَ: لَا
قَالَ: أفتستطيع أَن تَجِيء بِمِكْيَال من ريح قَالَ: لَا
قَالَ: أفتستطيع أَن تَجِيء بِمِكْيَال من ريح قَالَ: لَا
قَالَ: أفتستطيع أَن تَجِيء بمثقال من نور قَالَ: لَا
قَالَ: أفتستطيع أَن تَجِيء بقيراط من نور قَالَ: لَا
قَالَ: فَهَكَذَا إِن لَا تقدر على الَّذِي سَأَلت إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون أما أَنِّي لَا أجعَل عُقُوبَتك إِلَّا أَن أمحو اسْمك من الْأَنْبِيَاء فَلَا تذكر فيهم
فمحي اسْمه من الْأَنْبِيَاء فَلَيْسَ يذكر فيهم وَهُوَ نَبِي
فَلَمَّا بعث الله عِيسَى وَرَأى مَنْزِلَته من ربه وَعلمه الْكتاب وَالْحكمَة والتوراة وَالْإِنْجِيل وَيُبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الْمَوْتَى قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك رب عَظِيم لَو شِئْت أَن تطاع لأطعت وَلَو شِئْت أَن لَا تعصى مَا عصيت وَأَنت تحب أَن تطاع وَأَنت فِي ذَلِك تعصى فَكيف يَا رب فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون وَأَنت عَبدِي ورسولي وكلمتي ألقيتك إِلَى مَرْيَم وروح مني خلقتك من تُرَاب ثمَّ قلت لَك كن فَكنت لَئِن لم تَنْتَهِ لَأَفْعَلَنَّ بك كَمَا فعلت بصاحبك بَين يَديك
إِنِّي لَا أسَال عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون
فَجمع عِيسَى من تيعه وَقَالَ: الْقدر سرّ الله فَلَا تكلفوه
الْآيَة 24 - 25
(5/623)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)

الأنبياء - تفسير الدر المنثور
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أم اتَّخذُوا من دونه آلِهَة قل هاتوا برهانكم} يَقُول: هاتوا بينتكم على مَا تَقولُونَ {هَذَا ذكر من معي}
(5/623)
يَقُول: هَذَا الْقُرْآن فِيهِ ذكر الْحَلَال وَالْحرَام {وَذكر من قبلي} يَقُول: فِيهِ ذكر أَعمال الْأُمَم السالفة وَمَا صنع الله بهم وَإِلَى مَا صَارُوا {بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ الْحق فهم معرضون} عَن كتاب الله {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول إِلَّا نوحي إِلَيْهِ أَنه لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدون} قَالَ: أرْسلت الرُّسُل بالإخلاص والتوحيد لله لَا يقبل مِنْهُم حَتَّى يقولوه ويقروا بِهِ والشرائع تخْتَلف فِي التَّوْرَاة شَرِيعَة وَفِي الْإِنْجِيل شَرِيعَة وَفِي الْقُرْآن شَرِيعَة حَلَال وَحرَام فَهَذَا كُله فِي الْإِخْلَاص لله وتوحيد الله
الْآيَة 27 - 30
(5/624)
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَت الْيَهُود: إِن الله عز وَجل صاهر الْجِنّ فَكَانَت بَينهم الْمَلَائِكَة
فَقَالَ الله تَكْذِيبًا لَهُم {بل عباد مكرمون} أَي الْمَلَائِكَة لَيْسَ كَا قَالُوا بل هم عباد أكْرمهم الله بِعِبَادَتِهِ {لَا يسبقونه بالْقَوْل} يثني عَلَيْهِم {وَلَا يشفعون} قَالَ: لَا تشفع الْمَلَائِكَة يَوْم الْقِيَامَة {إِلَّا لمن ارتضى} قَالَ: لأهل التَّوْحِيد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِلَّا لمن ارتضى} قَالَ: لمن رَضِي عَنهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِلَّا لمن ارتضى} قَالَ: قَول لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إِلَّا لمن ارتضى} قَالَ: الَّذين ارتضاهم لشهادة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
(5/624)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا قَول الله {وَلَا يشفعون إِلَّا لمن ارتضى} فَقَالَ: إِن شَفَاعَتِي لأهل الْكَبَائِر من أمتِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْلَة أسرِي بِي مَرَرْت بِجِبْرِيل وَهُوَ باملأ الْأَعْلَى ملقى كالحلس الْبَالِي من خشيَة الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمن يقل مِنْهُم} يَعْنِي من الْمَلَائِكَة {إِنِّي إِلَه من دونه} قَالَ: وَلم يقل ذَلِك أحد من الْمَلَائِكَة إِلَّا إِبْلِيس دَعَا إِلَى عبَادَة نَفسه وَشرع الْكفْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمن يقل مِنْهُم إِنِّي إِلَه من دونه} الْآيَة
قَالَ: إِنَّمَا كَانَت هَذِه خَاصَّة لإبليس
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {كَانَتَا رتقاً ففتقناهما} قَالَ: فتقت السَّمَاء بالغيث وفتقت الأَرْض بالنبات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {كَانَتَا رتقاً} قَالَ: لَا يخرج مِنْهَا شَيْء {ففتقناهما} قَالَ: فتقت السَّمَاء بالمطر وفتقت الأَرْض بالنبات
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية من طَرِيق عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا: أَن رجلا أَتَاهُ فَسَأَلَهُ عَن {السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رتقا ففتقناهما} قَالَ: اذْهَبْ إِلَى ذَلِك الشَّيْخ فَاسْأَلْهُ ثمَّ تعالَ فَأَخْبرنِي مَا قَالَ
فَذهب إِلَى ابْن عَبَّاس فَسَأَلَهُ قَالَ: نعم كَانَت السَّمَاء رتقاء لَا تمطر وَكَانَت الأَرْض رتقاء لَا تنْبت فَلَمَّا خلق الله الأَرْض فتق هَذِه بالمطر وفتق هَذِه بالنبات
فَرجع الرجل على ابْن عمر فَأخْبرهُ فَقَالَ ابْن عمر: الْآن علمت أَن ابْن عَبَّاس قد أُوتِيَ فِي الْقُرْآن علما صدق ابْن عَبَّاس هَكَذَا كَانَت
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {كَانَتَا رتقاً} قَالَ: ملتصقتين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة قَالَ: سُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن اللَّيْل كَانَ قبل أم النَّهَار قَالَ: اللَّيْل
ثمَّ قَرَأَ
(5/625)
{إِن السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رتقاً ففتقناهما} فَهَل تعلمُونَ كَانَ بَينهمَا إِلَّا ظلمَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كَانَتَا رتقاً ففتقناهما} قَالَ: فتق من الأَرْض سِتّ أَرضين مَعهَا فَتلك سبع أَرضين بَعضهنَّ تَحت بعض وَمن السَّمَاء سبع سموات مِنْهَا مَعهَا فَتلك سبع سموات بَعضهنَّ فَوق بعض وَلم تكن الأَرْض وَالسَّمَاء مماستين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كَانَتَا رتقاً ففتقناهما} قَالَ: كَانَت السَّمَاء وَاحِدَة ففتق مِنْهَا سبع سموات وَكَانَت الأَرْض وَاحِدَة ففتق مِنْهَا سبع أَرضين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن وَقَتَادَة فِي قَوْله: {كَانَتَا رتقاً ففتقناهما} قَالَ: كَانَتَا جمعا ففصل الله بَينهمَا بِهَذَا الْهَوَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت السَّمَوَات والأرضون ملتزقتين فَلَمَّا رفع الله السَّمَاء وابتزها من الأَرْض فَكَانَ فتقها الَّذِي ذكر الله
وَأخرج أَحْمد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله إِنِّي إِذا رَأَيْتُك طابت نَفسِي وقرت عَيْني فأنبئني عَن كل شَيْء قَالَ: كل شَيْء خلق من المَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَجَعَلنَا من المَاء كل شَيْء حَيّ} قَالَ: نُطْفَة الرجل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي اله عَنهُ فِي قَوْله: {وَجَعَلنَا من المَاء كل شَيْء حَيّ} قَالَ: خلق كل شَيْء من المَاء وَهُوَ حَيَاة كل شَيْء
الْآيَة 31 - 33
(5/626)
وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَجَعَلنَا فِيهَا فجاجاً سبلاً} قَالَ: بَين الْجبَال
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فجاجاً} أَي أعلاماً {سبلاً} أَي طرقاً
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَجَعَلنَا السَّمَاء سقفاً مَحْفُوظًا} قَالَ: مَرْفُوعا {وهم عَن آياتها معرضون} قَالَ: الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم من آيَات السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة أَن الْيَهُود قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يَوْم الْجُمُعَة قَالَ: خلق الله فِي ساعتين مِنْهُ اللَّيْل وَالنَّهَار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {كل فِي فلك} قَالَ: دوران {يسبحون} قَالَ: يجرونَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {كل فِي فلك} قَالَ: فلكة كفلكة المغزل {يسبحون} قَالَ: يدورون فِي أَبْوَاب السَّمَاء مَا تَدور الفلكة فِي المغزل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {كل فِي فلك} قَالَ: هُوَ فلك السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن حسان بن عَطِيَّة قَالَ: الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرة فِي فلك بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كل فِي فلك} قَالَ: الْفلك الَّذِي بَين السَّمَاء وَالْأَرْض من مجاري النُّجُوم وَالشَّمْس وَالْقَمَر
وَفِي قَوْله: {يسبحون} قَالَ: يجرونَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كل شَيْء يَدُور فَهُوَ فلك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كل فِي فلك يسبحون}
(5/627)
النُّجُوم وَالشَّمْس وَالْقَمَر
قَالَ: كفلكة المغزل قَالَ: هُوَ مثل حسبان قَالَ: فَلَا يَدُور الْغَزل إِلَّا بالفلكة وَلَا تَدور الفلكة إِلَّا بالمغزل وَلَا يَدُور الرَّحَى إِلَّا بالحسبان وَلَا يَدُور الحسبان إِلَّا بالرحى كَذَلِك النُّجُوم وَالشَّمْس وَالْقَمَر لَا يدرن إِلَّا بِهِ وَلَا يَدُور إِلَّا بِهن قَالَ: والحسبان والفلك يصيران إِلَى شَيْء وَاحِد غير أَن الحسبان فِي الرَّحَى كالفلكة فِي المغزل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كل فِي فلك} قَالَ: الْفلك كَهَيئَةِ حَدِيدَة الرَّحَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {كل فِي فلك يسبحون} قَالَ: يجرونَ فِي فلك السَّمَاء كَمَا رَأَيْت
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {كل فِي فلك يسبحون} قَالَ: هُوَ الدوران
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {كل فِي فلك يسبحون} قَالَ: المغزل قَالَ كَمَا تَدور الفلكة فِي المغزل
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {كل فِي فلك يسبحون} قَالَ: وَكَانَ عبد الله يقْرَأ كل فِي فلك يعْملُونَ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كل فِي فلك يسبحون} قَالَ: يجرونَ
الْآيَة 34
(5/628)
وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن جريج قَالَ: لما نعى جِبْرِيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفسه قَالَ: يَا رب فَمن لأمتي فَنزلت {وَمَا جعلنَا لبشر من قبلك الْخلد} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فِي نَاحيَة الْمَدِينَة فجَاء فَدخل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مسجى فَوضع فَاه على جبين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجعل يقبله ويبكي وَيَقُول: بِأبي وَأمي طبت حَيا وطبت مَيتا فَلَمَّا خرج مرّ بعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ
(5/628)
يَقُول: مَا مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يَمُوت حَتَّى يقتل الله الْمُنَافِقين وَحَتَّى يخزي الله الْمُنَافِقين
قَالَ: وَكَانُوا قد اسْتَبْشَرُوا بِمَوْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرفعُوا رؤوسهم فَقَالَ: أَيهَا الرجل أَربع على نَفسك فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد مَاتَ
ألم تسمع الله يَقُول: (إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون) (الزمر آيَة 30) وَقَالَ: {وَمَا جعلنَا لبشر من قبلك الْخلد أَفَإِن مت فهم الخالدون} قَالَ: ثمَّ أَتَى الْمِنْبَر فصعده فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس إِن كَانَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَهكُم الَّذِي تَعْبدُونَ فَإِن مُحَمَّدًا قد مَاتَ وَإِن كَانَ إِلَهكُم الَّذِي فِي السَّمَاء فَإِن إِلَهكُم لم يمت ثمَّ تَلا (وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم على أعقابكم) (آل عمرَان آيَة 144) حَتَّى ختم الْآيَة
ثمَّ نزل وَقد استبشر الْمُسلمُونَ بذلك وَاشْتَدَّ فَرَحهمْ وَأخذت الْمُنَافِقين الكآبة
قَالَ عبد الله بن عمر: فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لكَأَنَّمَا كَانَت على وُجُوهنَا أغطية فَكشفت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عَائِشَة قَالَت: دخل أَبُو بكر على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد مَاتَ فَقبله وَقَالَ: وانبياه
واخليلاه
واصفياه
ثمَّ تَلا {وَمَا جعلنَا لبشر من قبلك الْخلد} الْآيَة
وَقَوله: (إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون)
الْآيَة 35
(5/629)
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم واللالكائي فِي السّنة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ونبلوكم بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فتْنَة} قَالَ: نبتليكم بالشدة والرخاء وَالصِّحَّة والسقم والغنى والفقر والحلال وَالْحرَام وَالطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة وَالْهدى والضلالة
وَالله أعلم
الْآيَة 36
(5/629)
وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36) خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (40) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (41) قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43) بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44)

الأنبياء - تفسير الدر المنثور
وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أبي سُفْيَان وَأبي جهل وهما يتحدثان فَلَمَّا رَآهُ أَبُو جهل ضحك وَقَالَ لأبي سُفْيَان: هَذَا نَبِي بني عبد منَاف
فَغَضب أَبُو سُفْيَان فَقَالَ: مَا تنكرون أَن يكون لبني عبد منَاف نَبِي
فَسَمعَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرجع إِلَى أبي جهل فَوَقع بِهِ وخوّفه وَقَالَ: مَا أَرَاك منتهياً حَتَّى يصيبك مَا أصَاب عمك
وَقَالَ لأبي سُفْيَان: أما إِنَّك لم تقل مَا قلت إِلَّا حمية فَنزلت هَذِه الْآيَة {وَإِذا رآك الَّذين كفرُوا إِن يتخذونك إِلَّا هزوا} الْآيَة
الْآيَة 37 - 38
(5/630)
خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: لما نفخ فِي آدم الرّوح ماد فِي رَأسه فعطس فَقَالَ: الْحَمد لله
فَقَالَت الْمَلَائِكَة: يَرْحَمك الله فَذهب لينهض قبل أَن تمور فِي رجلَيْهِ فَوَقع فَقَالَ الله: {خلق الإِنسان من عجل}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي الْآيَة قَالَ: أول مَا نفخ فِيهِ الرّوح نفخ فِي رَأسه ثمَّ فِي رُكْبَتَيْهِ فَذهب ليقوم قَالَ: {خلق الإِنسان من عجل}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {خلق الْإِنْسَان من عجل} قَالَ: آدم حِين خلق بعد كل شَيْء آخر النَّهَار من يَوْم خلق الْخلق فَلَمَّا أجْرى الرّوح فِي عَيْنَيْهِ وَلسَانه وَرَأسه وَلم يبغ أَسْفَله قَالَ: يَا رب استعجل بخلقي قبل غرُوب الشَّمْس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: نفخ الرب تبَارك وتعإلى الرّوح فِي نافوخ آدم فأبصر وَلم يعقل حَتَّى إِذا بلغ الرّوح قلبه وَنظر فَرَأى الْجنَّة ففعرف أَنه إِن قَامَ دَخلهَا وَلم يبلغ الرّوح أَسْفَله فَتحَرك فَذَلِك قَوْله تَعَالَى: {خلق الإِنسان من عجل}
(5/630)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {خلق الْإِنْسَان من عجل} قَالَ: خلق عجولاً
وَالله أعلم
الْآيَة 39 - 41
(5/631)
لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (40) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (41)
أخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن عدي بن حَاتِم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا مِنْكُم أحد إِلَّا سيكلمه الله يَوْم الْقِيَامَة لَيْسَ بَينه وَبَينه حجاب يَحْجُبهُ وَلَا ترجمان يترجم لَهُ فَيَقُول: ألم أوتك مَالا فَيَقُول: بلَى
فَيَقُول: ألم أرسل إِلَيْك رَسُولا فَيَقُول: بلَى
فَينْظر عَن يَمِينه فَلَا يرى إِلَّا النَّار وَينظر عَن يسَاره فَلَا يرى إِلَّا النَّار وَينظر بَين يَدَيْهِ فَلَا يرى إِلَّا النَّار فليتق أحدكُم النَّار وَلَو بشق تَمْرَة فَإِن لم يجد فبكلمة طيبَة
الْآيَة 42 - 46
(5/631)
قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (45) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46) وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50) وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)

الأنبياء - تفسير الدر المنثور
قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43) بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44) قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (45) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {قل من يكلؤكم} قَالَ: يحرسكم
وَفِي قَوْله: {وَلَا هم منا يصحبون} قَالَ: لَا ينْصرُونَ
(5/631)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَا هم منا يصحبون} قَالَ: لَا ينْصرُونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {قل من يكلؤكم} قَالَ: يحفظكم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَا هم منا يصحبون} قَالَ: لَا يجارون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَا هم منا يصحبون} قَالَ: لَا يمْنَعُونَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {أم لَهُم آلِهَة تمنعهم من دُوننَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نصر أنفسهم} يَعْنِي الْآلهَة {وَلَا هم منا يصحبون} يَقُول: لَا يصحبون من الله بِخَير
وَفِي قَوْله: {أَفلا يرَوْنَ أَنا نأتي الأَرْض ننقصها من أطرافها} قَالَ: كَانَ الْحسن يَقُول: ظُهُور النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على من قَاتله أَرضًا أَرضًا وقوما وقوما وَقَوله: {أفهم الغالبون} أَي لَيْسُوا بغالبين وَلَكِن الرَّسُول هُوَ الْغَالِب
وَفِي قَوْله: {قل إِنَّمَا أنذركم بِالْوَحْي} أَي بِهَذَا الْقُرْآن {وَلَا يسمع الصم الدُّعَاء إِذا مَا ينذرون} يَقُول: إِن الْكَافِر أَصمّ عَن كتاب الله لَا يسمعهُ وَلَا ينْتَفع بِهِ وَلَا يعقله كَمَا يسمعهُ أهل الْإِيمَان
وَفِي قَوْله: {وَلَئِن مستهم نفحة} يَقُول: لَئِن أَصَابَتْهُم عُقُوبَة
الْآيَة 47
(5/632)
وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)
أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير فِي تهذيبه وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن عَائِشَة أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله إِن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأضربهم وأشتمهم فَكيف أَنا مِنْهُم فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يحْسب مَا خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إيَّاهُم فَإِن كَانَ عقابك إيَّاهُم دون ذنوبهم كَانَ فضلا لَك وَإِن كَانَ عقابك إيَّاهُم بِقدر ذنوبهم كَانَ كفافاً لَا لَك وَلَا عَلَيْك وَإِن عقابك إياك فَوق ذنوبهم اقْتصّ لَهُم مِنْك
(5/632)
الْفضل
فَجعل الرجل يبكي ويهتف فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما تقْرَأ كتاب الله {وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة فَلَا تظلم نفس شَيْئا وَإِن كَانَ مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل أَتَيْنَا بهَا وَكفى بِنَا حاسبين} فَقَالَ الرجل: يَا رَسُول الله مَا أجد لي وَلَهُم شَيْئا خيرا من مفارقتهم
أشهدك أَنهم أَحْرَار
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ ي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن أبي حَاتِم عَن رِفَاعَة بن رَافع الزرقي قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله كَيفَ ترى فِي رقيقنا نضربهم فَقَالَ: توزن ذنوبهم وعقوبتكم إيَّاهُم فَإِن كَانَت عقوبتكم أَكثر من ذنوبهم أخذُوا مِنْكُم
قَالَ: أَفَرَأَيْت سبّنا إيَّاهُم قَالَ: توزن ذنوبهم وأذاكم إيَّاهُم فَإِن كَانَ أذاكم إيَّاهُم أَكثر أعْطوا مِنْكُم
قَالَ: أَرَأَيْت يَا رَسُول الله وَلَدي أضربهم قَالَ: إِنَّك لَا تتهم فِي ولدك وَلَا تطيب نَفسك تشبع ويجوعون وتكسى ويعرون
وَأخرج الْحَكِيم عَن زيد بن أسلم قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله مَا تَقول فِي ضرب المماليك قَالَ: إِن كَانَ ذَلِك فِي كنهه وَإِلَّا أقيد مِنْكُم يَوْم الْقِيَامَة
قيل: يَا رَسُول الله مَا تَقول فِي سبهم قَالَ: مثل ذَلِك
قَالَ: يَا رَسُول الله فَإنَّا نعاقب أَوْلَادنَا ونسبهم قَالَ: إِنَّهُم لَيْسُوا أَوْلَادكُم لأنكم لَا تتهمون على أَوْلَادكُم
وَأخرج الْحَكِيم عَن زِيَاد بن أبي زِيَاد قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لي مَالا وَإِن لي خدماً وَإِنِّي أغضب فأعرم وأشتم وأضرب
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: توزن ذنُوبه بعقوبتك فَإِن كَانَت سَوَاء فَلَا لَك وَلَا عَلَيْك وَإِن كَانَت الْعقُوبَة أَكثر فَإِنَّمَا هُوَ شَيْء يُؤْخَذ من حَسَنَاتك يَوْم الْقِيَامَة
فَقَالَ الرجل: أوه
أوه
يُؤْخَذ من حسناتي أشهدك يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن مماليكي أَحْرَار أَنا لَا أمسك شَيْئا يُؤْخَذ من حسناتي لَهُ
قَالَ: فحسبت مَاذَا ألم تسمع إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَنَضَع الموازين الْقسْط} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: يجاء بِالنَّاسِ يَوْم الْقِيَامَة إِلَى الْمِيزَان فيتجادلون عِنْده أَشد الْجِدَال
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَنَضَع الموازين الْقسْط} الْآيَة
قَالَ: هُوَ كَقَوْلِه: (وَالْوَزْن يَوْمئِذٍ الْحق) (الْأَعْرَاف آيَة 8)
(5/633)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد أَنه كَانَ يقْرَأ وَإِن كَانَ مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل آتَيْنَا بهَا بِمد الْألف
قَالَ: جازينا بهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَاصِم بن أبي النجُود أَنه كَانَ يقْرَأ {وَإِن كَانَ مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل أَتَيْنَا بهَا} على معنى جِئْنَا بهَا لَا يمد أَتَيْنَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وَإِن كَانَ مِثْقَال حَبَّة} قَالَ: وزن حَبَّة
وَفِي قَوْله: {وَكفى بِنَا حاسبين} قَالَ: محصين
الْآيَة 48 - 50
(5/634)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ {وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفرْقَان وضياء} وَيَقُول: خُذُوا هَذِه الْوَاو واجعلوها هَهُنَا (وَالَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِن النَّاس قد جمعُوا لكم
) الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفرْقَان وضياء} قَالَ: انزعوا هَذِه الْوَاو واجعلوها فِي (الَّذين يحملون الْعَرْش من حوله) (غَافِر آيَة 7)
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي صَالح {وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفرْقَان} قَالَ: التَّوْرَاة
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفرْقَان} قَالَ: الْفرْقَان التَّوْرَاة حلالها وحرامها مِمَّا فرق الله بَين الْحق وَالْبَاطِل
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفرْقَان} قَالَ: الْفرْقَان الْحق آتَاهُ الله مُوسَى وَهَارُون فرق بَينهمَا وَبَين فِرْعَوْن فصل بَينهم بِالْحَقِّ
وَقَرَأَ (وَمَا أنزلنَا على عَبدنَا يَوْم الْفرْقَان) (الْأَنْفَال آيَة 41) قَالَ: يَوْم بدر
(5/634)
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن الْحسن عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: وَعِزَّتِي لأجمع على عَبدِي خوفين وَلَا أجمع لَهُ أمنين فَمن خافني فِي الدُّنْيَا أمنته فِي الْآخِرَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَهَذَا ذكر مبارك أَنزَلْنَاهُ} أَي هَذَا الْقُرْآن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: خصلتان فيهمَا الْبركَة: الْقُرْآن والمطر
وتلا (وأنزلنا من السَّمَاء مَاء) {وَهَذَا ذكر مبارك} وَالله أعلم
الْآيَة 51 - 56
(5/635)
وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَلَقَد آتَيْنَا إِبْرَاهِيم رشده} قَالَ: هديناه صَغِيرا
وَفِي قَوْله: {مَا هَذِه التماثيل} قَالَ: الْأَصْنَام
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَلَقَد آتَيْنَا إِبْرَاهِيم رشده} يَقُول: آتيناه هداه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {الَّتِي أَنْتُم لَهَا عاكفون} قَالَ: عَابِدُونَ
وَفِي قَوْله: {قَالُوا وجدنَا آبَاءَنَا لَهَا عابدين} أَي على دين وانا متبعوهم على ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه مر على قوم
(5/635)
يَلْعَبُونَ بالشطرنج فَقَالَ: مَا هَذِه التماثيل الَّتِي أَنْتُم لَهَا عاكفون لِأَن يمس أحدكُم جمراً حَتَّى يطفأ خير لَهُ من أَن يَمَسهَا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ قَالَ: لَا يسلم على أَصْحَاب النردشير وَالشطْرَنْج
الْآيَة 57 - 67
(5/636)
فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72)

الأنبياء - تفسير الدر المنثور
وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لما خرج قوم إِبْرَاهِيم إِلَى عيدهم مروا عَلَيْهِ فَقَالُوا: يَا إِبْرَاهِيم أَلا تخرج مَعنا قَالَ: إِنِّي سقيم وَقد كَانَ بالْأَمْس قَالَ: {وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أَن توَلّوا مُدبرين} فَسَمعهُ نَاس مِنْهُم فَلَمَّا خَرجُوا انْطلق إِلَى أَهله فَأخذ طَعَاما ثمَّ انْطلق إِلَى آلِهَتهم فقرّبه إِلَيْهِم فَقَالَ: أَلا تَأْكُلُونَ فَكَسرهَا إِلَّا كَبِيرهمْ ثمَّ ربط فِي يَده الَّذِي كسر بِهِ آلِهَتهم فَلَمَّا رَجَعَ الْقَوْم من عيدهم دخلُوا فَإِذا هم بآلهتهم قد كسرت وَإِذا كَبِيرهمْ فِي يَده الَّذِي كسر بِهِ الْأَصْنَام قَالُوا: من فعل هَذَا بآلهتنا فَقَالَ الَّذين سمعُوا إِبْرَاهِيم قَالَ: {وتالله لأكيدن أصنامكم} سمعنَا فَتى يذكرهم
فجادلهم عِنْد ذَاك إِبْرَاهِيم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وتالله لأكيدن أصنامكم} قَالَ: قَول إِبْرَاهِيم حِين استتبعه قومه إِلَى عيدهم فَأبى وَقَالَ: إِنِّي سقيم فَسمع مِنْهُ وعيده أصنامهم رجل مِنْهُم اسْتَأْخَرَ وَهُوَ الَّذِي
(5/636)
قَالَ: {سمعنَا فَتى يذكرهم يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم} وَجعل إِبْرَاهِيم الفأس الَّتِي أهلك بهَا أصنامهم مُسندَة إِلَى صدر كَبِيرهمْ الَّذِي تُرِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة أَن أَبَا إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن كَانَ يعْمل هَذِه الْأَصْنَام ثمَّ يشكها فِي حَبل وَيحمل إِبْرَاهِيم على عُنُقه وَيدْفَع إِلَيْهِ الْمَشْكُوك يدرو يَبِيعهَا فجَاء رجل يَشْتَرِي فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم: مَا تصنع بِهَذَا حِين تشتريه قَالَ: أَسجد لَهُ
قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم: أَنْت شيخ تسْجد لهَذَا الصَّغِير إِنَّمَا يَنْبَغِي للصَّغِير أَن يسْجد للكبير فَعندهَا {قَالُوا سمعنَا فَتى يذكرهم يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وتالله لأكيدن أصنامكم} قَالَ: ترى أَنه قَالَ ذَلِك من حَيْثُ لَا يسمعُونَ {فجعلهم جذاذاً} قَالَ: قطعا {إِلَّا كَبِيرا لَهُم} يَقُول: إِلَّا كَبِير آلِهَتهم وأنفسها وَأَعْظَمهَا فِي أنفسهم
{لَعَلَّهُم إِلَيْهِ يرجعُونَ} قَالَ: كايدهم بذلك لَعَلَّهُم يتذكرون أَو يبصرون
وَفِي قَوْله: {قَالُوا فَأتوا بِهِ على أعين النَّاس لَعَلَّهُم يشْهدُونَ} قَالَ: كَرهُوا أَن يأخذوه بِغَيْر بَيِّنَة
وَفِي قَوْله: {أَأَنْت فعلت هَذَا بآلهتنا يَا إِبْرَاهِيم} إِلَى قَوْله: {أَنْتُم الظَّالِمُونَ} قَالَ: وَهَذِه هِيَ الْخصْلَة الَّتِي كايدهم بهَا {ثمَّ نكسوا على رؤوسهم} قَالَ: أدْركْت الْقَوْم غيرَة سوء فَقَالُوا: {لقد علمت مَا هَؤُلَاءِ ينطقون}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {جذاذاً} قَالَ: حطاماً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {جذاذاً} قَالَ: فتاتاً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {بل فعله كَبِيرهمْ هَذَا} قَالَ: عَظِيم آلِهَتهم
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لم يكذب إِبْرَاهِيم فِي شَيْء قطّ إِلَّا فِي ثَلَاث كُلهنَّ فِي الله: قَوْله إِنِّي سقيم وَلم يكن سقيماً وَقَوله لسارة أُخْتِي وَقَوله: {بل فعله كَبِيرهمْ هَذَا}
وَأخرج أَبُو يعلى عَن أبي سعيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَأْتِي النَّاس إِبْرَاهِيم فَيَقُولُونَ لَهُ: اشفع لنا إِلَى رَبك
فَيَقُول: إِنِّي كذبت ثَلَاث كذبات
فَقَالَ النَّبِي
(5/637)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا مِنْهَا كذبة إِلَّا مَا حل بهَا عَن دين الله قَوْله: (إِنِّي سقيم) (الصافات آيَة 89) وَقَوله: {بل فعله كَبِيرهمْ هَذَا} وَقَوله لسارة إِنَّهَا أُخْتِي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {فَرَجَعُوا إِلَى أنفسهم} قَالَ: نظر بَعضهم إِلَى بعض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد {ثمَّ نكسوا على رؤوسهم} قَالَ: فِي الرَّأْي
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك فِي قَوْله: {أُفٍّ} يَعْنِي الرَّدِيء من الْكَلَام
الْآيَة 68 - 73
(5/638)
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73) وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77) وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81)

الأنبياء - تفسير الدر المنثور
قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)
أخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: تَلَوت هَذِه الْآيَة على عبد الله بن عمر فَقَالَ: أَتَدْرِي يَا مُجَاهِد من الَّذِي أَشَارَ بتحريق إِبْرَاهِيم بالنَّار قلت: لَا
قَالَ: رجل من أَعْرَاب فَارس يَعْنِي الأكراد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما جمع لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام مَا جمع وَأُلْقِي فِي النَّار جعل خَازِن الْمَطَر يَقُول: مَتى أومر بالمطر فَأرْسلهُ فَكَانَ أَمر الله أسْرع قَالَ الله: {كوني بردا وَسلَامًا} فَلم يبْق فِي الأَرْض نَار إِلَّا طفئت
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن أبي حَاتِم عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن إِبْرَاهِيم حِين ألقِي فِي النَّار لم تكن فِي الأَرْض دَابَّة إِلَّا تُطْفِئ عَنهُ النَّار غير الوزغ فَإِنَّهُ كَانَ ينْفخ على إِبْرَاهِيم فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقتْله
(5/638)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أم شريك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بقتل الأوزاغ وَقَالَ: كَانَت تنفخ على إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف أخبرنَا معمر عَن قَتَادَة عَن بَعضهم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كَانَت الضفدع تُطْفِئ النَّار عَن إِبْرَاهِيم وَكَانَت الوزغ تنفخ عَلَيْهِ وَنهى عَن قتل هَذَا وَأمر بقتل هَذَا
وَأخرجه ابْن الْمُنْذر فَقَالَ: أخبرنَا أَبُو سعيد الشَّامي عَن أبان عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تسبوا الضفدع فَإِنَّهُ صَوته تَسْبِيح وتقديس وتكبير إِن الْبَهَائِم اسْتَأْذَنت رَبهَا فِي أَن تُطْفِئ النَّار عَن إِبْرَاهِيم فَأذن للضفادع فتراكبت عَلَيْهِ فأبدلها الله بَحر النَّار برد المَاء
وَأخرج أَبُو يعلى وَأَبُو نعيم وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما ألقِي إِبْرَاهِيم فِي النَّار قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك فِي السَّمَاء وَاحِد وَأَنا فِي الأَرْض وَاحِد أعبدك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَمْرو قَالَ: أول كلمة قَالَهَا إِبْرَاهِيم حِين ألقِي فِي النَّار حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن كَعْب قَالَ: مَا أحرقت النَّار من إِبْرَاهِيم إِلَّا وثَاقه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْمنْهَال بن عَمْرو قَالَ: أخْبرت أَن إِبْرَاهِيم ألقِي فِي النَّار فَكَانَ فِيهَا إِمَّا خمسين وَإِمَّا أَرْبَعِينَ قَالَ: مَا كنت أَيَّامًا وليالي قطّ أطيب عَيْشًا إِذْ كنت فِيهَا وددت أَن عيشي وحياتي كلهَا مثل عيشي إِذْ كنت فِيهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لما ألقِي إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن فِي النَّار قَالَ الْملك خَازِن الْمَطَر: يَا رب إِن خَلِيلك إِبْرَاهِيم رجا أَن يُؤذن لَهُ فَيُرْسل الْمَطَر فَكَانَ أَمر الله أسْرع من ذَلِك فَقَالَ: {يَا نَار كوني بردا وَسلَامًا على إِبْرَاهِيم} فَلم يبْق فِي الأَرْض نَار إِلَّا طفئت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن شُعَيْب الجبائي قَالَ: الَّذِي قَالَ حرقوه هبون
فَخسفَ الله بِهِ الأَرْض فَهُوَ يتجلجل فِيهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {قُلْنَا يَا نَار} قَالَ: كَانَ جِبْرِيل هُوَ الَّذِي قَالَهَا
(5/639)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَو لم يتبع بردهَا {سَلاما} لمات إِبْرَاهِيم من بردهَا فَلم يبْق فِي الأَرْض يَوْمئِذٍ نَار إِلَّا طفئت ظَنَنْت أَنَّهَا هِيَ تعنى
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عليّ فِي قَوْله: {قُلْنَا يَا نَار كوني بردا وَسلَامًا} قَالَ: لَوْلَا أَنه قَالَ: {وَسلَامًا} لقَتله بردهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن شمر بن عَطِيَّة قَالَ: لما أَرَادوا أَن يلْقوا إِبْرَاهِيم فِي النَّار نَادَى الْملك الَّذِي يُرْسل الْمَطَر: رب خَلِيلك رجا أَن يُؤذن لَهُ فَيُرْسل الْمَطَر فَقَالَ الله: {يَا نَار كوني بردا وَسلَامًا على إِبْرَاهِيم} فَلم يبْق فِي الأَرْض يَوْمئِذٍ نَار إِلَّا بردت
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد من طَرِيق أبي هِلَال عَن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ قَالَ: لما أَرَادوا أَن يلْقوا إِبْرَاهِيم فِي النَّار جَاءَت عَامَّة الخليقة فَقَالَت: يَا رب خَلِيلك يلقى فِي النَّار فائذن لنا نطفئ عَنهُ
قَالَ: هُوَ خليلي لَيْسَ لي فِي الأَرْض خَلِيل غَيره وَأَنا آلهه لَيْسَ لَهُ إِلَه غَيْرِي فَإِن استغاثكم فأغيثوه وَإِلَّا فَدَعوهُ قَالَ: وَجَاء ملك الْقطر قَالَ: يَا رب خَلِيلك يلقى فِي النَّار فائذن لي أَن أطفئ عَنهُ بالقطر
قَالَ: هُوَ خليلي لَيْسَ لي فِي الأَرْض خَلِيل غَيره وَأَنا آلهه لَيْسَ لَهُ إِلَه غَيْرِي فَإِن اسْتَعَانَ بك فأعنه وَإِلَّا فَدَعْهُ
قَالَ: فَلَمَّا ألقِي فِي النَّار دَعَا بِدُعَاء نَسيَه أَبُو هِلَال فَقَالَ الله عز وَجل: {يَا نَار كوني بردا وَسلَامًا على إِبْرَاهِيم} قَالَ: فبردت فِي الْمشرق وَالْمغْرب فَمَا أنضجت يَوْمئِذٍ كُرَاعًا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ كَعْب: مَا انْتفع أحد من أهل الأَرْض يَوْمئِذٍ بِنَار وَلَا أحرقت النَّار يَوْمئِذٍ شَيْئا إِلَّا وثاق إِبْرَاهِيم
وَقَالَ قَتَادَة: لم تأت دَابَّة يَوْمئِذٍ إِلَّا أطفأت عَنهُ النَّار إِلَّا الوزغ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك قَالَ: يذكرُونَ أَن جِبْرِيل كَانَ مَعَ إِبْرَاهِيم فِي النَّار يمسح عَنهُ الْعرق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة قَالَ: لما ألقِي إِبْرَاهِيم فِي النَّار قعد فِيهَا
(5/640)
فأرسلوا إِلَى ملكهم فجَاء ينظر مُتَعَجِّبا
فطارت مِنْهُ شرارة فَوَقَعت على إِبْهَام رجله فاشتعل كَمَا تشتعل الصوفة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: خرج إِبْرَاهِيم من النَّار يعرق لم تحرق النَّار إِلَّا وثَاقه فَأخذُوا شَيخا مِنْهُم فجعلوه على نَار كَذَلِك فَاحْتَرَقَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن سُلَيْمَان بن صرد
وَكَانَ قد أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن إِبْرَاهِيم لما أَرَادوا أَن يلقوه فِي النَّار جعلُوا يجمعُونَ لَهُ الْحَطب فَجعلت الْمَرْأَة الْعَجُوز تحمل على ظهرهَا فَيُقَال لَهَا: أَيْن تريدين فَتَقول: أذهب إِلَى هَذَا الَّذِي يذكر آلِهَتنَا
فَلَمَّا ذهب بِهِ لِيطْرَح فِي النَّار (قَالَ: إِنِّي ذَاهِب إِلَى رَبِّي سيهدين) (الصافات آيَة 99) فَلَمَّا طرح فِي النَّار قَالَ: حسبي الله وَنعم الْوَكِيل
فَقَالَ الله: {يَا نَار كوني بردا وَسلَامًا على إِبْرَاهِيم} فَقَالَ أَبُو لوط - وَكَانَ عَمه - إِن النَّار لم تحرقه من أجل قرَابَته مني
فَأرْسل الله عنقًا من النَّار فَأَحْرَقتهُ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن عَليّ بن أبي طَالب فِي قَوْله: {قُلْنَا يَا نَار كوني بردا} قَالَ: بردت عَلَيْهِ حَتَّى كَانَت تؤذيه حَتَّى قيل: {وَسلَامًا} قَالَ: لَا تؤذيه
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَو لم يقل: {وَسلَامًا} لقَتله الْبرد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: إِن أحسن شَيْء قَالَه أَبُو إِبْرَاهِيم لما رفع عَنهُ الطَّبَق وَهُوَ فِي النَّار وجده يرشح جَبينه فَقَالَ عِنْد ذَلِك: نعم الرب رَبك يَا ابراهيم
وَأخرج ابْن جرير عَن شُعَيْب الجبائي قَالَ: ألقِي إِبْرَاهِيم فِي النَّار وَهُوَ ابْن سِتّ عشرَة سنة وَذبح إِسْحَق وَهُوَ ابْن سبع سِنِين
وَأخرج ابْن جرير عَن مُعْتَمر بن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن بعض أَصْحَابه قَالَ: جَاءَ جِبْرِيل إِلَى إِبْرَاهِيم وَهُوَ يوثق ليلقى فِي النَّار قَالَ: يَا إِبْرَاهِيم أَلَك حَاجَة قَالَ: أما إِلَيْك فَلَا
وَأخرج ابْن جرير عَن أَرقم أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: حِين جعلُوا يوثقونه
(5/641)
ليلقوه فِي النَّار: لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ رب الْعَالمين لَك الْحَمد وَلَك الْملك لَا شريك لَك
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله: {قُلْنَا يَا نَار كوني بردا وَسلَامًا} قَالَ: السَّلَام لَا يُؤْذِيه بردهَا وَلَوْلَا أَنه قَالَ: {سَلاما} لَكَانَ الْبرد أَشد عَلَيْهِ من الْحر
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَأَرَادُوا بِهِ كيداً فجعلناهم الأخسرين} قَالَ: ألقوا شَيخا فِي النَّار مِنْهُم لِأَن يُصِيبُوا نجاته كَمَا نجا إِبْرَاهِيم فَاحْتَرَقَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي مَالك فِي قَوْله: {إِلَى الأَرْض الَّتِي باركنا فِيهَا للْعَالمين} قَالَ: الشَّام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبيّ بن كَعْب فِي قَوْله: {إِلَى الأَرْض الَّتِي باركنا فِيهَا للْعَالمين} قَالَ: الشَّام
وَمَا من مَاء عذب إِلَّا يخرج من تِلْكَ الصَّخْرَة الَّتِي بِبَيْت الْمُقَدّس يهْبط من السَّمَاء إِلَى الصَّخْرَة ثمَّ يتفرق فِي الأَرْض
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن سَلام قَالَ: بِالشَّام من قُبُور الْأَنْبِيَاء ألفا قبر وَسَبْعمائة قبر وَإِن دمشق معقل النَّاس فِي آخر الزَّمَان من الْمَلَاحِم
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لوط: كَانَ ابْن أخي إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما هرب إِبْرَاهِيم من كوثي وَخرج من النَّار وَلسَانه يَوْمئِذٍ سرياني فَلَمَّا عبر الْفُرَات من حران غيّر الله لِسَانه فَقلب عبرانياً حَيْثُ عبر الْفُرَات وَبعث ثمرود فِي نَحْو أَثَره وَقَالَ: لَا تدعوا أحدا يتَكَلَّم بالسُّرْيَانيَّة إِلَّا جئتموني بِهِ فَلَقوا إِبْرَاهِيم يتَكَلَّم بالعبرانية فَتَرَكُوهُ وَلم يعرفوا لغته
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن حسان بن عَطِيَّة قَالَ: أغار ملك نبط على لوط عَلَيْهِ السَّلَام فسباه وَأَهله فَبلغ ذَلِك إِبْرَاهِيم فَأقبل فِي طلبه فِي عدَّة أهل بدر ثَلَاثمِائَة وَثَلَاثَة عشر فَالتقى هُوَ وَتلك النبط فِي صحراء معفور فعبى إِبْرَاهِيم ميمنة وميسرة وَقَلْبًا وَكَانَ أول من عبى الْحَرْب هَكَذَا فَاقْتَتلُوا فَهَزَمَهُمْ إِبْرَاهِيم واستنقذ لوطاً وَأَهله
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة {ونجيناه} يَعْنِي إِبْرَاهِيم {ولوطاً إِلَى الأَرْض الَّتِي باركنا فِيهَا للْعَالمين}
(5/642)
قَالَ: هِيَ الأَرْض المقدسة الَّتِي بَارك الله فِيهَا للْعَالمين لِأَن كل مَاء عذب فِي الأَرْض مِنْهَا يخرج يَعْنِي من أصل الصَّخْرَة الَّتِي فِي بَيت الْمُقَدّس يهْبط من السَّمَاء إِلَى الصَّخْرَة ثمَّ يتفرق فِي الأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {ونجيناه ولوطاً} قَالَ: كَانَا بِأَرْض الْعرَاق فانجيا إِلَى أَرض الشَّام
وَكَانَ يُقَال: الشَّام عماد دَار الْهِجْرَة وَمَا نقص من الأَرْض زيد فِي الشَّام وَمَا نقص من الشَّام زيد فِي فلسطين
وَكَانَ يُقَال: هِيَ أَرض الْمَحْشَر والمنشر وفيهَا ينزل عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام وَبهَا يهْلك الله شيخ الضَّلَالَة الدَّجَّال
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِلَى الأَرْض الَّتِي باركنا فِيهَا} قَالَ: الشَّام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِلَى الأَرْض الَّتِي باركنا فِيهَا} قَالَ: إِلَى حران
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق} قَالَ: ولدا {وَيَعْقُوب نَافِلَة} قَالَ: ابْن ابْن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق} قَالَ: أعطَاهُ {وَيَعْقُوب نَافِلَة} قَالَ: عَطِيَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ فِي الْآيَة قَالَ: دَعَا بِالْحَقِّ فاستجيب لَهُ وَزيد يَعْقُوب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الحكم قَالَ: النَّافِلَة ابْن الابْن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وجعلناهم أَئِمَّة يهْدُونَ} الْآيَة
قَالَ: جعلهم الله أَئِمَّة يقْتَدى بهم فِي أَمر الله
الْآيَة 74 - 77
(5/643)
وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77)
أخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ: كَانَ فِي قوم لوط عشر خِصَال يعْرفُونَ بهَا: لعب الْحمام وَرمي البندق والمكاء والخذف فِي الأنداء وتسبيط الشّعْر وفرقعة العلك واسبال الْإِزَار وَحبس الأقبية وإتيان الرِّجَال والمنادمة على الشَّرَاب وستزيد هَذِه الْأمة عَلَيْهَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سِتَّة من أَخْلَاق قوم لوط فِي هَذِه الْأمة: الجلاهق والصفر والبندق والخذف وَحل إِزَار القباء ومضغ العلك
واخرج اسحق بن بشر والخطيب وَابْن عَسَاكِر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عشر خِصَال عملتها قوم لوط بهَا اهلكوا وتزيدها أمتِي بخلة: إتْيَان الرِّجَال بَعضهم بَعْضًا ورميهم بالجلاهق ولعبهم الْحمام وَضرب الدفوف وَشرب الْخُمُور وقص اللِّحْيَة وَطول الشَّارِب والصفر والتصفيق ولباس الْحَرِير وتزيدها أمتِي بخلة: إتْيَان النِّسَاء بَعضهنَّ بَعْضًا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كل سنَن قوم لوط قد فقدت إِلَّا ثَلَاثًا: جر نعال السيوف وقصف الْأَظْفَار وكشف الْعَوْرَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتنَا} قَالَ: فِي الْإِسْلَام
الْآيَة 78 - 82
(5/644)
وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82) وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86) وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)

الأنبياء - تفسير الدر المنثور
وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82)
أخرج الْحَاكِم عَن وهب قَالَ: دَاوُد بن إيشا بن عُوَيْد بن عَابِر من ولد يهوذا بن يَعْقُوب وَكَانَ قَصِيرا أَزْرَق قَلِيل الشّعْر طَاهِر الْقلب
وَأخرج ابْن جرير عَن مرّة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِذْ يحكمان فِي الْحَرْث} قَالَ: كَانَ الْحَرْث نبتاً فنفشت فِيهِ لَيْلًا فاختصموا فِيهِ إِلَى دَاوُد فَقضى بالغنم لأَصْحَاب الْحَرْث فَمروا على سُلَيْمَان فَذكرُوا ذَلِك لَهُ فَقَالَ: لَا تدفع الْغنم
فيصيبون مِنْهَا وَيقوم هَؤُلَاءِ على حرثهم فَإِذا عَاد كَمَا كَانَ ردوا عَلَيْهِم فَنزلت {ففهمناها سُلَيْمَان}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم والْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَدَاوُد وَسليمَان إِذْ يحكمان فِي الْحَرْث إِذْ نفشت فِيهِ غنم الْقَوْم} قَالَ: كرم قد أنبتت عناقيده فأفسدته الْغنم فَقضى دَاوُد بالغنم لصَاحب الْكَرم فَقَالَ سُلَيْمَان: أغير هَذَا يَا نَبِي الله قَالَ: وَمَا ذَاك قَالَ: تدفع الْكَرم إِلَى صَاحب الْغنم فَيقوم عَلَيْهِ حَتَّى يعود كَمَا كَانَ وتدفع الْغنم إِلَى صَاحب الْكَرم فَيُصِيب مِنْهَا حَتَّى إِذا عَاد الْكَرم كَمَا كَانَ دفعت الْكَرم لصَاحبه وَدفعت الْغنم إِلَى صَاحبهَا
فَذَلِك قَوْله: {ففهمناها سُلَيْمَان}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مَسْرُوق قَالَ: الْحَرْث الَّذِي {نفشت فِيهِ غنم الْقَوْم} إِنَّمَا كَانَ كرماً نفشت فِيهِ غنم الْقَوْم فَلم تدع فِيهِ ورقة وَلَا عنقوداً من عِنَب إِلَّا أَكلته فَأتوا دَاوُد فَأَعْطَاهُمْ رقابها فَقَالَ سُلَيْمَان: إِن صَاحب الْكَرم قد بَقِي لَهُ أصل كرمه وأصل أرضه بل تُؤْخَذ الْغنم فيعطاها أهل الْكَرم فَيكون لَهُم لَبنهَا وصوفها ونفعها وَيُعْطى أهل الْغنم الْكَرم فيعمرونه ويصلحونه حَتَّى يعود كَالَّذي كَانَ لَيْلَة نفشت فِيهِ الْغنم ثمَّ يعْطى أهل الْغنم غَنمهمْ وَأهل الْكَرم كرمهم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَدَاوُد وَسليمَان} إِلَى
(5/645)
قَوْله: {وَكُنَّا لحكمهم شَاهِدين} يَقُول: كُنَّا لما حكما شَاهِدين وَذَلِكَ أَن رجلَيْنِ دخلا على دَاوُد: أَحدهمَا صَاحب حرث وَالْآخر صَاحب غنم فَقَالَ صَاحب الْحَرْث: إِن هَذَا أرسل غنمه فِي حرثي فَلم تبْق من حرثي شَيْئا
فَقَالَ لَهُ دَاوُد: اذْهَبْ فَإِن الْغنم كلهَا لَك
فَقضى بذلك دَاوُد وَمر صَاحب الْغنم بِسُلَيْمَان فَأخْبرهُ بِالَّذِي قضى بِهِ دَاوُد فَدخل سُلَيْمَان على دَاوُد فَقَالَ: يَا نَبِي الله إِن الْقَضَاء سوى الَّذِي قضيت
فَقَالَ: كَيفَ قَالَ سُلَيْمَان: إِن الْحَرْث لَا يخفى على صَاحبه مَا يخرج مِنْهُ فِي كل عَام فَلهُ من صَاحب الْغنم أَن ينْتَفع من أَوْلَادهَا وأصوافها وَأَشْعَارهَا حَتَّى يَسْتَوْفِي ثمن الْحَرْث فَإِن الْغنم لَهَا نسل كل عَام
فَقَالَ دَاوُد: قد أصبت الْقَضَاء كَمَا قضيت
ففهمها الله سُلَيْمَان
وَأخرج ابْن جرير وَعبد الرَّزَّاق عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: أَعْطَاهُم دَاوُد رِقَاب الْغنم بالحرث وَحكم سُلَيْمَان بجزة الْغنم وَأَلْبَانهَا لأهل الْحَرْث وَعَلَيْهِم رعاؤها ويحرث لَهُم أهل الْغنم حَتَّى يكون الْحَرْث كَهَيْئَته يَوْم أكل ثمَّ يدفعونه إِلَى أَهله وَيَأْخُذُونَ غَنمهمْ
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: النفش بِاللَّيْلِ والهمل بِالنَّهَارِ
ذكر لنا أَن غنم الْقَوْم وَقعت فِي زرع لَيْلًا فَرفع ذَلِك إِلَى دَاوُد فَقضى بالغنم لأَصْحَاب الزَّرْع فَقَالَ سُلَيْمَان: لَيْسَ كَذَلِك وَلَكِن لَهُ نسلها ورسلها وعوارضها وجزازها حَتَّى إِذا كَانَ من الْعَام الْمقبل كَهَيْئَته يَوْم أكل دفعت الْغنم إِلَى أَرْبَابهَا وَقبض صَاحب الزَّرْع زرعه
قَالَ الله: {ففهمناها سُلَيْمَان}
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة وَالزهْرِيّ فِي الْآيَة قَالَ: نفشت غنم فِي حرث قوم فَقضى دَاوُد أَن يَأْخُذُوا الْغنم ففهمها الله سُلَيْمَان فَلَمَّا أخبر بِقَضَاء دَاوُد قَالَ: لَا وَلَكِن خُذُوا الْغنم وَلكم مَا خرج من رسلها وَأَوْلَادهَا وأصوافها إِلَى الْحول
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَت امْرَأَة عابدة من بني إِسْرَائِيل وَكَانَت تبتلت الْمَرْأَة وَكَانَ لَهَا جاريتان جميلتان وَقد تبتلت الْمَرْأَة لَا تُرِيدُ الرِّجَال فَقَالَت إِحْدَى الجاريتين لِلْأُخْرَى: قد طَال علينا هَذَا الْبلَاء أما هَذِه فَلَا تُرِيدُ الرِّجَال وَلَا نزال بشر مَا كُنَّا لَهَا فَلَو أَنا فضحناها فرجمت فصرنا إِلَى الرِّجَال
فَأتيَا مَاء الْبيض فأتياها وَهِي سَاجِدَة فكشفتا عَن ثوبها ونضحتا فِي دبرهَا مَاء الْبيض وصرختا: إِنَّهَا قد
(5/646)
بَغت
وَكَانَ من زنى فيهم حدّه الرَّجْم فَرفعت إِلَى دَاوُد وَمَاء الْبيض فِي ثِيَابهَا فَأَرَادَ رَجمهَا فَقَالَ سُلَيْمَان: ائْتُوا بِنَار فَإِنَّهُ إِن كَانَ مَاء الرِّجَال تفرق وَإِن كَانَ مَاء الْبيض اجْتمع
فَأتي بِنَار فوضعها عَلَيْهِ فَاجْتمع فدرأ عَنْهَا الرَّجْم فعطف دَاوُد على سُلَيْمَان فَأَحبهُ
ثمَّ كَانَ بعد ذَلِك أَصْحَاب الْحَرْث وَأَصْحَاب الشياه فَقضى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام بالغنم لأَصْحَاب الْحَرْث فَخَرجُوا وَخرجت الرُّعَاة مَعَهم الْكلاب فَقَالَ سُلَيْمَان: كَيفَ قضى بَيْنكُم فأخبروه فَقَالَ: لَو وليت أَمرهم لقضيت بِغَيْر هَذَا الْقَضَاء
فَقيل لداود عَلَيْهِ السَّلَام: إِن سُلَيْمَان يَقُول كَذَا وَكَذَا
فَدَعَاهُ فَقَالَ: كَيفَ تقضي بَينهم فَقَالَ: أدفَع الْغنم إِلَى أَصْحَاب الْحَرْث هَذَا الْعَام فَيكون لَهُم أَوْلَادهَا وسلالها وَأَلْبَانهَا ومنافعها ويذر أَصْحَاب الْحَرْث الْحَرْث هَذَا الْعَام فَإِذا بلغ الْحَرْث الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَخذ هَؤُلَاءِ الْحَرْث ودفعوا إِلَى هَؤُلَاءِ الْغنم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {نفشت} قَالَ: رعت
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {نفشت} قَالَ: النفش الرَّعْي بِاللَّيْلِ
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول لبيد: بدلن بعد النفش الوجيفا وَبعد ول الْحزن الصريفا وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن حرَام بن محيصة أَن نَاقَة الْبَراء بن عَازِب دخلت حَائِطا فأفسدت فِيهِ فَقضى فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: على أَن على أهل الحوائط حفظهَا بِالنَّهَارِ وَإِن مَا أفسدت الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ ضَامِن على أَهلهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن نَاقَة الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ دخلت حَائِطا لقوم فأفسدت عَلَيْهِم فَأتوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: على أهل الْحَائِط حفظ حائطهم بِالنَّهَارِ وعَلى أهل الْمَوَاشِي حفظ مَوَاشِيهمْ بِاللَّيْلِ ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {وَدَاوُد وَسليمَان} الْآيَة
ثمَّ قَالَ: نفشت لَيْلًا
(5/647)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ فافهمناها سُلَيْمَان
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ الحكم بِمَا قضى بِهِ سُلَيْمَان وَلم يعب دَاوُد فِي حكمه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أَهْون أهل النَّار عذَابا رجل يطَأ جَمْرَة يغلي مِنْهَا دماغه
فَقَالَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ: وَمَا جرمه يَا رَسُول الله قَالَ: كَانَت لَهُ مَاشِيَة يغشى بهَا الزَّرْع ويؤذيه وَحرم الله الرزع وَمَا حوله غلوة سهم فاحذروا أَن لَا [] يسْتَحبّ الرجل مَا لَهُ فِي الدُّنْيَا وَيهْلك نَفسه فِي الْآخِرَة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَانِ لَهما جَاءَ الذِّئْب فَأخذ أحد الِابْنَيْنِ فتحاكما إِلَى دَاوُد فَقضى لَهُ للكبرى فخرجتا فدعاهما سُلَيْمَان فَقَالَ: هاتوا السكين أشقه بَينهمَا
فَقَالَت الصُّغْرَى: يَرْحَمك الله هُوَ ابْنهَا لَا تشقه
فَقضى بِهِ للصغرى
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن امْرَأَة حسناء من بني إِسْرَائِيل راودها عَن نَفسهَا أَرْبَعَة من رُؤَسَائِهِمْ فامتنعت على كل وَاحِد مِنْهُم فاتفقوا فِيمَا بَينهم عَلَيْهَا فَشَهِدُوا عَلَيْهَا عِنْد دَاوُد أَنَّهَا مكنت من نَفسهَا كَلْبا لَهَا قد عوّدته ذَلِك مِنْهَا فَأمر برجمها
فَلَمَّا كَانَ عَشِيَّة ذَلِك الْيَوْم جلس سُلَيْمَان وَاجْتمعَ مَعَه ولدان مثله فانتصب حَاكما وتزيا أَرْبَعَة مِنْهُم بزِي أُولَئِكَ وَآخر بزِي الْمَرْأَة وشهدوا عَلَيْهَا بِأَنَّهَا مكنت من نَفسهَا كلبها
فَقَالَ سُلَيْمَان: فرقوا بَينهم
فَسَأَلَ أَوَّلهمْ: مَا كَانَ لون الْكَلْب فَقَالَ: أسود
فَعَزله واستدعى الآخر فَسَأَلَهُ عَن لَونه فَقَالَ: أَحْمَر وَقَالَ الآخر أغبش وَقَالَ الآخر أَبيض
فَأمر عِنْد ذَلِك بِقَتْلِهِم فحكي ذَلِك لداود فاستدعى من فوره أُولَئِكَ الْأَرْبَعَة فَسَأَلَهُمْ مُتَفَرّقين عَن لون ذَلِك الْكَلْب فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَأمر بِقَتْلِهِم
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن ابْن أبي نجيح قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: أوتينا مَا أُوتِيَ النَّاس وَلم يؤتوا وَعلمنَا مَا علم النَّاس وَلم يعلمُوا
فَلم يجد شَيْئا أفضل من ثَلَاث كَلِمَات: الْحلم فِي الْغَضَب وَالرِّضَا وَالْقَصْد فِي الْفقر والغنى وخشية الله فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة
(5/648)
وَأخرج أَحْمد عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ: يَا بني إياك وَغَضب الْملك الظلوم فَإِن غَضَبه كغضب ملك الْمَوْت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن خَيْثَمَة قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: جربنَا الْعَيْش لينه وشديده فوجدناه يَكْفِي مِنْهُ أدناه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وأمد عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان لِابْنِهِ: يَا بني لَا تكْثر الْغيرَة على أهلك فترمى بالسوء من أَجلك وَإِن كَانَت بريئة
يَا بني إِن من الْحيَاء صمتا وَمِنْه وقاراً يَا بني إِن أَحْبَبْت أَن تغيظ عَدوك فَلَا ترفع الْعَصَا عَن ابْنك
يَا بني كَمَا يدْخل الوتد بَين الحجرين وكما تدخل الْحَيَّة بَين الحجرين كَذَلِك تدخل الْخَطِيئَة بَين البيعين
وَأخرج أَحْمد عَن مَالك بن دِينَار قَالَ: بلغنَا أَن سُلَيْمَان قَالَ لِابْنِهِ: امش وَرَاء الْأسد وَلَا تمش وَرَاء امْرَأَة
وَأخرج أَحْمد عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان لِابْنِهِ: يَا بني إِن من سوء الْعَيْش نقلا من بَيت إِلَى بَيت
وَقَالَ لِابْنِهِ: عَلَيْك بخشية الله فَإِنَّهَا غلبت كل شَيْء
وَأخرج أَحْمد عَن بكر بن عبد الله أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِابْنِهِ سُلَيْمَان: أَي شَيْء أبرد وَأي شَيْء أحلى وَأي شَيْء أقرب وَأي شَيْء أقل وَأي شَيْء أَكثر وَأي شَيْء آنس وَأي شَيْء أوحش قَالَ: أحلى شَيْء روح الله من عباده وأبرد شَيْء عَفْو الله عَن عباده وعفو الْعباد بَعضهم عَن بعض
وآنس شَيْء الرّوح تكون فِي الْجَسَد وأوحش شَيْء الْجَسَد تنْزع مِنْهُ الرّوح وَأَقل شَيْء الْيَقِين وَأكْثر شَيْء الشَّك وَأقرب شَيْء الْآخِرَة من الدُّنْيَا وَأبْعد شَيْء الدُّنْيَا من الْآخِرَة
وَأخرج أَحْمد عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان لِابْنِهِ: لَا تقطعن أمرا حَتَّى تؤامر مرشداً فَإِذا فعلت ذَلِك فَلَا تحزن عَلَيْهِ
وَقَالَ: يَا بني مَا أقبح الْخَطِيئَة مَعَ المسكنة وأقبح الضَّلَالَة بعد الْهدى وأقبح من ذَلِك رجل كَانَ عابداً فَترك عبَادَة ربه
وَأخرج أَحْمد عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: عجبا للتاجر: كَيفَ يخلص يحلف بِالنَّهَارِ وينام بِاللَّيْلِ
(5/649)
وَأخرج أَحْمد عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان لِابْنِهِ: يَا بني إياك والنميمة فَإِنَّهَا كَحَد السَّيْف
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق حَمَّاد بن سَلمَة عَن حميد الطَّوِيل: أَن إِيَاس بن مُعَاوِيَة لما استقضى آتَاهُ الْحسن فَرَآهُ حَزينًا فَبكى إِيَاس فَقَالَ: مَا يبكيك فَقَالَ: يَا أَبَا سعيد بَلغنِي أَن الْقُضَاة ثَلَاثَة: رجل اجْتهد فَأَخْطَأَ فَهُوَ فِي النَّار وَرجل مَال بِهِ الْهوى فَهُوَ فِي النَّار وَرجل اجْتهد فَأصَاب فَهُوَ فِي الْجنَّة
فَقَالَ الْحسن: إِن فِيمَا قصّ الله من نبأ دَاوُد مَا يرد ذَلِك
ثمَّ قَرَأَ {وَدَاوُد وَسليمَان إِذْ يحكمان فِي الْحَرْث} حَتَّى بلغ {وكلا آتَيْنَا حكما وعلماً} فَأثْنى على سُلَيْمَان وَلم يذم دَاوُد
ثمَّ قَالَ: أَخذ الله على الْحُكَّام ثَلَاثَة: أَن لَا يشتروا بآياته ثمنا قَلِيلا وَلَا يتبعوا الْهوى وَلَا يخشوا النَّاس
ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة (يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي الأَرْض) (ص آيَة 26) الْآيَة وَقَالَ (فَلَا تخشوا النَّاس واخشون) (الْمَائِدَة آيَة 44) وَقَالَ (وَلَا تشتروا بآياتي ثمنا قَلِيلا) (الْمَائِدَة آيَة 44)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وسخرنا مَعَ دَاوُد الْجبَال يسبحْنَ وَالطير} قَالَ: يصلين مَعَ دَاوُد إِذا صلى {وعلمناه صَنْعَة لبوس لكم} قَالَ: كَانَت صَفَائِح فَأول من مدها وحلقها دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج السّديّ فِي قَوْله: {وعلمناه صَنْعَة لبوس لكم} قَالَ: هِيَ دروع الْحَدِيد {لتحصنكم من بأسكم} قَالَ: من رتع السِّلَاح فِيكُم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ لنحصنكم بالنُّون
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن سُلَيْمَان بن حَيَّان قَالَ: كَانَ دَاوُد إِذا وجد فَتْرَة أَمر الْجبَال فسبحت حَتَّى يشتاق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كَانَ عمر آدم ألف سنة وَكَانَ عمر دَاوُد سِتِّينَ سنة
فَقَالَ آدم: أَي رب زده من عمري أَرْبَعِينَ سنة
فأكمل لآدَم ألف سنة وأكمل لداود مائَة سنة
(5/650)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَاتَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم السِّت فَجْأَة فعكفت الطير عَلَيْهِ تظله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام يوضع لَهُ سِتّمائَة ألف كرْسِي ثمَّ يَجِيء أَشْرَاف النَّاس فَيَجْلِسُونَ مِمَّا يَلِيهِ ثمَّ يَجِيء أَشْرَاف الْجِنّ فَيَجْلِسُونَ مِمَّا يَلِي أَشْرَاف الْإِنْس ثمَّ يَدْعُو الطير فتظلهم ثمَّ يَدْعُو الرّيح فتحملهم فيسير مسيرَة شهر فِي الْغَدَاة الْوَاحِدَة
وَأخرج الْحَاكِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: بلغنَا أَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ عسكره مائَة فَرسَخ خَمْسَة وَعِشْرُونَ مِنْهَا للإنس وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ للجن وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ للوحش وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ للطير وَكَانَ لَهُ ألف بَيت من قَوَارِير على الْخشب فِيهَا ثلثمِائة حرَّة وَسَبْعمائة سَرِيَّة فَأمر الرّيح العاصف فَرَفَعته فَأمر الرّيح فسارت بِهِ فَأوحى الله إِلَيْهِ أَنِّي أَزِيد فِي ملكك أَن لَا يتَكَلَّم أحد بِشَيْء إِلَّا جَاءَت الرّيح فأخبرتك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: كَانَ سُلَيْمَان يَأْمر الرّيح فتجتمع كالطود الْعَظِيم ثمَّ يَأْمر بفراشه فَيُوضَع على أَعلَى مَكَان مِنْهَا ثمَّ يَدْعُو بفرس من ذَوَات الأجنحة فترتفع حَتَّى تصعد على فرَاشه ثمَّ يَأْمر الرّيح فترتفع بِهِ كل شرف دون السَّمَاء فَهُوَ يُطَأْطِئ رَأسه مَا يلْتَفت يَمِينا وَلَا شمالاً تَعْظِيمًا لله وشكراً لما يعلم من صغر مَا هُوَ فِيهِ فِي ملك الله يَضَعهُ الرّيح حَيْثُ يَشَاء أَن يَضَعهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: كَانَ لِسُلَيْمَان مركب من خشب وَكَانَ فِيهِ ألف ركن فِي كل ركن ألف بَيت يركب مَعَه فِيهِ الْجِنّ وَالْإِنْس تَحت كل ركن ألف شَيْطَان يرفعون ذَلِك الْمركب فَإِذا ارْتَفع جَاءَت الرّيح الرخَاء فسارت بِهِ وَسَارُوا مَعَه فَلَا يدْرِي الْقَوْم إِلَّا قد أظلهم من الجيوش والجنود
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن السّديّ فِي قَوْله: {ولسليمان الرّيح عَاصِفَة} قَالَ: الرّيح الشَّدِيدَة {تجْرِي بأَمْره إِلَى الأَرْض الَّتِي باركنا فِيهَا} قَالَ: أَرض الشَّام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ولسليمان الرّيح} الْآيَة
قَالَ: ورث الله لِسُلَيْمَان دَاوُد فورثه نبوته وَملكه وزاده على ذَلِك أَنه سخر لَهُ الرِّيَاح وَالشَّيَاطِين
(5/651)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر أَنه قَرَأَ {ولسليمان الرّيح} يَقُول: سخرنا لَهُ الرّيح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وَمن الشَّيَاطِين من يغوصون لَهُ} قَالَ: يغوصون فِي المَاء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والديلمي عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: ذكر عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رقية الْحَيَّة فَقَالَ: اعرضها عَليّ
فعرضها عَلَيْهِ بِسم الله شجنية قرنية ملحة بَحر قفطا
فَقَالَ: هَذِه مواثيق أَخذهَا سُلَيْمَان على الْهَوَام وَلَا أرى بهَا بَأْسا
وَأخرج الْحَاكِم عَن الشّعبِيّ قَالَ: أرخ بَنو اسحق من مبعث مُوسَى إِلَى ملك سُلَيْمَان
الْآيَة 83 - 86
(5/652)
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86)
أخرج الْحَاكِم من طَرِيق سَمُرَة عَن كَعْب قَالَ: كَانَ أَيُّوب بن أموص نَبِي الله الصابر طَويلا جعد الشّعْر وَاسع الْعَينَيْنِ حسن الْخلق وَكَانَ على جَبينه مَكْتُوب: الْمُبْتَلى الصابر وَكَانَ قصير الْعُنُق عريض الصَّدْر غليظ السَّاقَيْن والساعدين كَانَ يُعْطي الأرامل ويكسوهم جاهداً ناصحاً لله
وَأخرج الْحَاكِم عَن وهب قَالَ: أَيُّوب بن أموص بن رزاح بن عيص بن إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل
وَأخرج ابْن سعد عَن الْكَلْبِيّ قَالَ: أول نَبِي بعث إِدْرِيس ثمَّ نوح ثمَّ إِبْرَاهِيم ثمَّ إِسْمَاعِيل وَإِسْحَق ثمَّ يَعْقُوب ثمَّ يُوسُف ثمَّ لوط ثمَّ هود ثمَّ صَالح ثمَّ شُعَيْب ثمَّ مُوسَى وَهَارُون ثمَّ إلْيَاس ثمَّ اليسع ثمَّ يُونُس ثمَّ أَيُّوب
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن وهب قَالَ: كَانَ أَيُّوب أعبد أهل زَمَانه وَأَكْثَرهم مَالا
(5/652)
فَكَانَ لَا يشْبع حَتَّى يشْبع الجائع وَكَانَ لَا يكتسي حَتَّى يكسي العاري وَكَانَ إِبْلِيس قد أعياه أَمر أَيُّوب لقُوته فَلَا يقدر عَلَيْهِ وَكَانَ عبدا مَعْصُوما
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن عَسَاكِر عَن وهب أَنه سُئِلَ: مَا كَانَت شَرِيعَة قوم أَيُّوب قَالَ: التَّوْحِيد وَإِصْلَاح ذَات الْبَين
وَإِذا كَانَت لأحد مِنْهُم حَاجَة خر لله سَاجِدا ثمَّ طلب حَاجته
قيل: فَمَا كَانَ مَاله قَالَ: كَانَ لَهُ ثَلَاثَة آلَاف فدان مَعَ كل فدان عبد مَعَ كل عبد وليدة وَمَعَ كل وليد أتان وَأَرْبَعَة عشرَة ألف شَاة وَلم يبت لَيْلَة لَهُ إِلَّا وضيف وَرَاء بَابه وَلم يَأْكُل طَعَامه إِلَّا وَمَعَهُ مِسْكين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن سُفْيَان الثَّوْريّ قَالَ: مَا أصَاب إِبْلِيس من أَيُّوب فِي مَرضه إِلَّا الأنين
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ الله لأيوب: تَدْرِي مَا جرمك إليّ حَتَّى ابتليتك فَقَالَ: لَا يَا رب
قَالَ: لِأَنَّك دخلت على فِرْعَوْن فداهنت عِنْده فِي كَلِمَتَيْنِ
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَنْب أَيُّوب أَنه اسْتَعَانَ بِهِ مِسْكين على ظلم يدرؤه عَنهُ فَلم يعنه وَلم يَأْمر بِمَعْرُوف وينه الظَّالِم عَن ظلمه الْمِسْكِين فابتلاه الله
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن اللَّيْث بن سعد قَالَ: كَانَ السَّبَب الَّذِي ابْتُلِيَ فِيهِ أَيُّوب أَنه دخل أهل قريته على ملكهم - وَهُوَ جَبَّار من الْجَبَابِرَة - وَذكر بعض مَا كَانَ ظلمه النَّاس فكلموه فأبلغوا فِي كَلَامه ورفق أَيُّوب فِي كَلَامه لَهُ مَخَافَة مِنْهُ لزرعه فَقَالَ الله: اتَّقَيْت عبدا من عبَادي من أجل زرعك فَأنْزل الله بِهِ مَا أنزل من الْبلَاء
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ قَالَ: أجدب الشَّام فَكتب فِرْعَوْن إِلَى أَيُّوب: أَن هَلُمَّ إِلَيْنَا فَإِن لَك عندنَا سَعَة
فَأقبل بخيله وماشيته وبنيه فأقطعهم فَدخل شُعَيْب فَقَالَ فِرْعَوْن: أما تخَاف أَن يغْضب غضبة فيغضب لغضبه أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال والبحار فَسكت أَيُّوب فَلَمَّا خرجا من عِنْده أوحى الله إِلَى أَيُّوب: أوسكت عَن فِرْعَوْن لذهابك إِلَى أرضه استعد للبلاء
قَالَ: فديني قَالَ: أسلمه لَك
قَالَ: لَا أُبَالِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن يزِيد بن ميسرَة قَالَ: لما
(5/653)
ابتلى الله أَيُّوب بذهاب المَال والأهل وَالْولد فَلم يبْق لَهُ شَيْء أحسن الذّكر وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
ثمَّ قَالَ: أحمدك رب الَّذِي أَحْسَنت إليّ
قد أَعْطَيْتنِي المَال وَالْولد لم يبْق من قلبِي شُعْبَة إِلَّا قد دَخلهَا ذَلِك فَأخذت ذَلِك كُله مني وفزعت قلبِي فَلَيْسَ يحول بيني وَبَيْنك شَيْء لَا يعلم عدوي إِبْلِيس الَّذِي وصفت إِلَّا حسدني فلقي إِبْلِيس من ذها شَيْئا مُنْكرا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: كَانَ لأيوب أَخَوان فجاءا يَوْمًا فَلم يستطيعا أَن يدنوا مِنْهُ من رِيحه فقاما من بعيد فَقَالَ أَحدهمَا للْآخر: لَو كَانَ الله علم من أَيُّوب خيرا مَا ابتلاه بِهَذَا فجزع أَيُّوب من قَوْلهمَا جزعاً لم يجزع من شَيْء قطّ مثله قَالَ: اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَنِّي لم أَبَت لَيْلَة قطّ شبعاً وَأَنا أعلم مَكَان جَائِع فصدقني
فصدّق من فِي السَّمَاء وهما يسمعان ثمَّ خر سَاجِدا وَقَالَ: اللَّهُمَّ بعزتك لَا أرفع رَأْسِي حَتَّى تكشف عني
فَمَا رفع رَأسه حَتَّى كشف الله عَنهُ
وأخرح ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن قَالَ: ضرب أَيُّوب بالبلاء ثمَّ بالبلاء بعد الْبلَاء بذهاب الْأَهْل وَالْمَال ثمَّ ابْتُلِيَ فِي بدنه ثمَّ ابْتُلِيَ حَتَّى قذف فِي بعض مزابل بني إِسْرَائِيل فَمَا يعلم أَيُّوب دَعَا الله يَوْمًا أَن يكْشف مَا بِهِ لَيْسَ إِلَّا صبرا وإحتساباً حَتَّى مر بِهِ رجلَانِ فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: لَو كَانَ لله فِي هَذَا حَاجَة مَا بلغ بِهِ هَذَا كُله
فَسمع أَيُّوب فشق عَلَيْهِ فَقَالَ: رب {مسني الضّر} ثمَّ رد ذَلِك إِلَى ربه فَقَالَ: {وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ فاستجبنا لَهُ فكشفنا مَا بِهِ من ضرّ وَآتَيْنَاهُ أَهله وَمثلهمْ مَعَهم} قَالَ: {وَآتَيْنَاهُ أَهله} فِي الدُّنْيَا {وَمثلهمْ مَعَهم} فِي الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَآتَيْنَاهُ أَهله وَمثلهمْ مَعَهم} قَالَ: قيل لَهُ: يَا أَيُّوب إِن أهلك لَك فِي الْجنَّة فَإِن شِئْت آتيناك بهم وَإِن شِئْت تركناهم لَك فِي الْجنَّة وعوّضناك مثلهم
قَالَ: لَا بل اتركهم لي فِي الْجنَّة فتركوا لَهُ فِي الْجنَّة وعوّض مثلهم فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن نوف الْبكالِي فِي قَوْله: {وَآتَيْنَاهُ أَهله وَمثلهمْ مَعَهم} قَالَ: إِنِّي أدخرهم فِي الْآخِرَة وَأعْطِي مثلهم فِي الدُّنْيَا
فَحدث بذلك مطرف فَقَالَ: مَا عرفت وَجههَا قبل الْيَوْم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ عَن الضَّحَّاك قَالَ: بلغ
(5/654)
ابْن مَسْعُود أَن مَرْوَان قَالَ فِي هَذِه الْآيَة: {وَآتَيْنَاهُ أَهله وَمثلهمْ مَعَهم} قَالَ: أُوتِيَ بِأَهْل غير أَهله فَقَالَ ابْن مَسْعُود: بل أُوتِيَ بأعيانهم وَمثلهمْ مَعَهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله: {وَآتَيْنَاهُ أَهله وَمثلهمْ مَعَهم} قَالَ: لم يَكُونُوا مَاتُوا ولكنعم غَيَّبُوا عَنهُ فَأَتَاهُ أَهله {وَمثلهمْ مَعَهم} فِي الْآخِرَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَآتَيْنَاهُ أَهله وَمثلهمْ مَعَهم} قَالَ: أحياهم بأعيانهم وَزَاد إِلَيْهِم مثلهم
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن وَقَتَادَة فِي قَوْله: {وَآتَيْنَاهُ أَهله وَمثلهمْ مَعَهم} قَالَ: أَحْيَا الله لَهُ أَهله بأعيانهم وزاده الله مثلهم
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن {وَمثلهمْ مَعَهم} قَالَ: من نسلهم
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن الْحسن قَالَ: مَا كَانَ بَقِي من أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام إِلَّا عَيناهُ وَقَلبه وَلسَانه فَكَانَت الدَّوَابّ تخْتَلف فِي جسده وَمكث فِي الكناسة سبع سِنِين وأياماً
وَأخرج أَحْمد عَن نوف الْبكالِي قَالَ: مر نفر من بني إِسْرَائِيل بِأَيُّوب فَقَالُوا: مَا أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُ إِلَّا بذنب عَظِيم أَصَابَهُ
فَسَمعَهَا أَيُّوب فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ: {مسني الضّر وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ} وَكَانَ قبل ذَلِك لَا يَدْعُو
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: لقد مكث أَيُّوب مطروحاً على كناسَة سبع سِنِين وأشهراً مَا يسْأَل الله أَن يكْشف مَا بِهِ وَمَا على وَجه الأَرْض خلق أكْرم من أَيُّوب فيزعمون أَن بعض النَّاس قَالَ: لَو كَانَ لرب هَذَا فِيهِ حَاجَة مَا صنع بِهِ هَذَا
فَعِنْدَ ذَلِك دَعَا
وَأخرج ابْن جريرعن وهب بن مُنَبّه قَالَ: لم يكن بِأَيُّوب الْأكلَة إِنَّمَا يخرج مِنْهُ مثل ثدي النِّسَاء ثمَّ يتفقأ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أَنِّي مسني الضّر وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ} قَالَ: إِنَّه لما مَسّه الضّر أنساه الله الدُّعَاء أَن يَدعُوهُ فَيكْشف مَا بِهِ من ضرّ غير أَنه كَانَ يذكر الله كثيرا وَلَا يزِيدهُ الْبلَاء فِي الله إِلَّا رَغْبَة وَحسن إيقان فَلَمَّا انْتهى الْأَجَل وَقضى الله أَنه كاشف مَا بِهِ من ضرّ أذن لَهُ فِي الدُّعَاء ويسرّه لَهُ كَانَ قبل ذَلِك يَقُول تبَارك وَتَعَالَى: لَا يَنْبَغِي لعبدي أَيُّوب أَن يدعوني ثمَّ لَا أستجيب لَهُ
فَلَمَّا دَعَا
(5/655)
اسْتَجَابَ لَهُ وأبدله بِكُل شَيْء ذهب لَهُ ضعفين رد أَهله وَمثلهمْ مَعَهم وَأثْنى عَلَيْهِ فَقَالَ: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نعم العَبْد إِنَّه أوّاب)
وَأخرج ابْن جرير عَن لَيْث قَالَ: أرسل مُجَاهِد رجلا يُقَال لَهُ قَاسم إِلَى عِكْرِمَة يسْأَله عَن قَول الله لأيوب {وَآتَيْنَاهُ أَهله وَمثلهمْ مَعَهم} فَقَالَ: قيل لَهُ: إِن أهلك لَك فِي الْآخِرَة فَإِن شِئْت عجلناهم لَك فِي الدُّنْيَا وَإِن شِئْت كَانُوا لَك فِي الْآخِرَة وآتيناك مثلهم فِي الدُّنْيَا
فَقَالَ: يكونُونَ فِي الْآخِرَة وأوتى مثلهم فِي الدُّنْيَا
فَرجع إِلَى مُجَاهِد فَقَالَ: أصَاب
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي قَوْله: {رَحْمَة من عندنَا وذكرى للعابدين} وَقَوله: (رَحْمَة منا وذكرى لأولي الْأَلْبَاب) (ص آيَة 43) قَالَ: إِنَّمَا هُوَ من أَصَابَهُ بلَاء فَذكر مَا أصَاب أَيُّوب فَلْيقل: إِنَّه قد أصَاب من هُوَ خير مني نَبِي من الْأَنْبِيَاء
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: بَقِي أَيُّوب على كناسَة لنَبِيّ إِسْرَائِيل سبع سِنِين وأشهراً تخْتَلف فِيهِ الدَّوَابّ
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: إِن أَيُّوب آتَاهُ الله تَعَالَى مَالا وَولدا وأوسع عَلَيْهِ فَلهُ من الشياه وَالْبَقر وَالْغنم وَالْإِبِل
وَإِن عَدو الله إِبْلِيس قيل لَهُ: هَل تقدر أَن تفتن أَيُّوب قَالَ: رب إِن أَيُّوب أصبح فِي دنيا من مَال وَولد فَلَا يَسْتَطِيع إِلَّا شكرك فسلطني على مَاله وَولده فسترى كَيفَ يطيعني ويعصيك
فَسلط على مَاله وَولده فَكَانَ يَأْتِي الْمَاشِيَة من مَاله من الْغنم فيحرقها بالنيران ثمَّ يَأْتِي أَيُّوب وَهُوَ يُصَلِّي متشبهاً براعي الْغنم فَيَقُول: يَا أَيُّوب تصلي لرب مَا ترك الله لَك من ماشيتك شَيْئا من الْغنم إِلَّا أحرقها بالنيران
وَكنت نَاحيَة فَجئْت لأخبرك
فَيَقُول أَيُّوب: اللَّهُمَّ أَنْت أَعْطَيْت وَأَنت أخذت مهما يبْق شَيْء أحمدك على حسن بلائك
فَلَا يقدر مِنْهُ على شَيْء مِمَّا يُرِيد ثمَّ يَأْتِي مَاشِيَته من الْبَقر فيحرقها بالنيران
ثمَّ يَأْتِي أَيُّوب فَيَقُول لَهُ ذَلِك وَيرد عَلَيْهِ أَيُّوب مثل ذَلِك
وَكَذَلِكَ فعل بِالْإِبِلِ حَتَّى مَا ترك لَهُ مَاشِيَة حَتَّى هدم الْبَيْت على وَلَده فَقَالَ: يَا أَيُّوب أرسل الله على ولدك من هدم عَلَيْهِم الْبيُوت حَتَّى يهْلكُوا فَيَقُول أَيُّوب مثل ذَلِك
وَقَالَ: رب هَذَا حِين أَحْسَنت إِلَيّ الْإِحْسَان كُله قد كنت قبل الْيَوْم يشغلني حب المَال بِالنَّهَارِ ويشغلني حب الْوَلَد بِاللَّيْلِ
(5/656)
شَفَقَة عَلَيْهِم فَالْآن أفرغ سَمْعِي لَك وبصري وليلي ونهاري بِالذكر وَالْحَمْد وَالتَّقْدِيس والتهليل
فَيَنْصَرِف عَدو الله من عِنْده وَلم يصب مِنْهُ شَيْئا مِمَّا يُرِيد
ثمَّ إِن الله تَعَالَى قَالَ: كَيفَ رَأَيْت أَيُّوب قَالَ إِبْلِيس: إِن أَيُّوب قد علم أَنَّك سترد عَلَيْهِ مَاله وَولده وَلَكِن سَلطنِي على جسده فَإِن أَصَابَهُ الضّر فِيهِ أَطَاعَنِي وعصاك
فَسلط على جسده فَأَتَاهُ فَنفخ فِيهِ نفخة أقرح من لدن قرنه إِلَى قدمه فَأَصَابَهُ الْبلَاء بعد الْبلَاء حَتَّى حمل فَوضع على مزبلة كناسَة لبني إِسْرَائِيل فَلم يبْق لَهُ مَال وَلَا ولد وَلَا صديق وَلَا أحد يقربهُ غير رَحْمَة صبرت عَلَيْهِ تصدق عَلَيْهِ وتأتيه بِطَعَام وتحمد الله مَعَه إِذا حَمده وَأَيوب على ذَلِك لَا يفر من ذكر الله والتحميد وَالثنَاء على الله وَالصَّبْر على مَا ابتلاه الله
فَصَرَخَ إِبْلِيس صرخة جمع فِيهَا جُنُوده من أقطاء الْأَرْضين جزعاً من صَبر أَيُّوب فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ وَقَالُوا لَهُ: اجْتَمَعنَا إِلَيْك مَا أحزنك مَا أعياك قَالَ: أعياني هَذَا العَبْد الَّذِي سَأَلت رَبِّي أَن يسلطني على مَاله وَولده فَلم أدع لَهُ مَالا وَلَا ولدا فَلم يَزْدَدْ بذلك إِلَّا صبرا وثناء على الله تَعَالَى وتحميداً لَهُ ثمَّ سلطت على جسده فتركته قرحَة ملقاة على كناسَة بني إِسْرَائِيل لَا تقربه إِلَّا امْرَأَته فقد افتضحت بربي فاستعنت بكم لتعينوني عَلَيْهِ
فَقَالُوا لَهُ: أَيْن مكرك أَيْن علمك الَّذِي أهلكت بِهِ من مضى قَالَ: بَطل ذَلِك كُله فِي أَيُّوب فأشيروا عَليّ
قَالُوا: نشِير عَلَيْك أَرَأَيْت آدم حِين أخرجته من الْجنَّة من [] أَتَيْته قَالَ: من قبل امْرَأَته
قَالُوا: فشأنك بِأَيُّوب من قبل امْرَأَته فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيع أَن يعصيها وَلَيْسَ أحد يقربهُ غَيرهَا
قَالَ: أصبْتُم
فَانْطَلق حَتَّى أَتَى امْرَأَته وَهِي تصدق فتمثل لَهَا فِي صُورَة رجل فَقَالَ: أَيْن بعلك يَا أمة الله قَالَت: هَا هُوَ ذَاك يحك قروه ويتردد الدُّود فِي جسده
فَلَمَّا سَمعهَا طمع أَن تكون كلمة جزع فَوضع فِي صدرها فوسوس إِلَيْهَا فَذكرهَا مَا كَانَت فِيهِ من النعم وَالْمَال وَالدَّوَاب وَذكرهَا جمال أَيُّوب وشبابه وَمَا هُوَ فِيهِ من الضّر وَإِن ذَلِك لَا يَنْقَطِع عَنْهُم أبدا
فصرخت فَلَمَّا صرخت علم أَن قد جزعت فَأَتَاهُ بسخلة فَقَالَ: ليذبح هَذَا إِلَى أَيُّوب وَيبرأ
فَجَاءَت تصرخ: يَا أَيُّوب يَا أَيُّوب
حَتَّى مَتى يعذبك رَبك أَلا يَرْحَمك أَيْن المَال أَيْن الشَّبَاب أَيْن الْوَلَد أَيْن الصّديق أَيْن لونك الْحسن الَّذِي بلي وتلدد فِيهِ الدَّوَابّ
اذْبَحْ هَذِه السخلة واسترح
قَالَ: أَيُّوب: أتاكِ عَدو الله فَنفخ فِيك فَوجدَ فِيك رفقا فأجبِتِه ويلكِ أرأيتِ مَا تبكين عَلَيْهِ مِمَّا تذكرين مِمَّا كُنَّا فِيهِ من
(5/657)
المَال وَالْولد وَالصِّحَّة والشباب من أعطانيه قَالَ [قَالَت] : الله
قَالَ: فكم متعنَا قَالَ [قَالَت] : ثَمَانِينَ سنة
قَالَ: فمذ كم ابتلانا الله بِهَذَا الْبلَاء الَّذِي ابتلانا بِهِ قَالَت: سبع سِنِين وأشهراً
قَالَ: ويلكِ
وَالله مَا عدلت وَلَا أنصفت رَبك إِلَّا صبرت حَتَّى نَكُون فِي هَذَا الْبلَاء الَّذِي ابتلانا رَبنَا ثَمَانِينَ سنة كَمَا كُنَّا فِي الرخَاء ثَمَانِينَ سنة وَالله لَئِن شفاني الله لأجلدنك مائَة جلدَة حيت أَمرتنِي أَن أذبح لغير الله
طَعَامك وشرابك الَّذِي أتيتني بِهِ عليّ حرَام أَن أَذُوق شَيْئا مِمَّا تَأتي بِهِ بعد إِذْ قلت لي هَذَا فاغربي عني فَلَا أراكِ
فَطُرِدَتْ فَذَهَبت فَقَالَ الشَّيْطَان: هَذَا قد وطّن نَفسه ثَمَانِينَ سنة على هَذَا الْبلَاء الَّذِي هُوَ فِيهِ فباء بالغلبة ورفضه
وَنظر إِلَى أَيُّوب قد طرد امْرَأَته وَلَيْسَ عِنْده طَعَام وَلَا شراب وَلَا صديق ومرّ بِهِ رجلَانِ وَهُوَ على تِلْكَ الْحَال وَلَا وَالله مَا على ظهر الأَرْض يَوْمئِذٍ أكْرم على الله من أَيُّوب فَقَالَ أحد الرجلَيْن لصَاحبه: لَو كَانَ لله فِي هَذَا حَاجَة مَا بلغ بِهِ هَذَا
فَلم يسمع أَيُّوب شَيْئا كَانَ أَشد عَلَيْهِ من هَذِه الْكَلِمَة فَقَالَ: رب {مسني الضّر} ثمَّ رد ذَلِك إِلَى الله فَقَالَ: {وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ} فَقيل لَهُ: (اركض برجلك هَذَا مغتسل بَارِد) (ص آيَة 42) فركض بِرجلِهِ فنبعت عين مَاء فاغتسل مِنْهَا فَلم يبْق من دائه شَيْء ظَاهر إِلَّا سقط فَأذْهب الله عَنهُ كل ألم وكل سقم وَعَاد إِلَيْهِ شبابه وجماله أحسن مَا كَانَ ثمَّ ضرب بِرجلِهِ فنبعت عين أُخْرَى فَشرب مِنْهَا فَلم يبْق فِي جَوْفه دَاء إِلَّا خرج
فَقَامَ صَحِيحا وكسي حلَّة فَجعل يلْتَفت فَلَا يرى شَيْئا مِمَّا كَانَ لَهُ من أهل وَمَال إِلَّا وَقد أضعفه الله لَهُ حَتَّى ذكر لنا أَن المَاء الَّذِي اغْتسل بِهِ تطاير على صَدره جَراد من ذهب فَجعل يضمه بِيَدِهِ فَأوحى الله إِلَيْهِ: يَا أَيُّوب ألم أغنك عَن هَذَا قَالَ: بلَى وَلكنهَا بركتك فَمن يشْبع مِنْهَا
فَخرج حَتَّى جلس على مَكَان مشرف ثمَّ إِن امْرَأَته قَالَت: أَرَأَيْت إِن كَانَ طردي إِلَى من أكله أَدَعهُ يَمُوت جوعا أَو يضيع فتأكله السبَاع لأرجعن إِلَيْهِ
فَرَجَعت فَلَا كناسَة ترى وَلَا تِلْكَ الْحَال الَّتِي كَانَت وَإِذا الْأُمُور قد تَغَيَّرت فَجعلت تَطوف حَيْثُ الكناسة وتبكي وَذَلِكَ بِعَين أَيُّوب وهابت صَاحب الْحلَّة أَن تَأتيه فتسأل عَنهُ
فَأرْسل إِلَيْهَا أَيُّوب فَدَعَاهَا فَقَالَ: مَا تريدين يَا أمة الله فَبَكَتْ وَقَالَت: أُرِيد ذَلِك الْمُبْتَلى الَّذِي كَانَ ملقى على الكناسة لَا أَدْرِي أضاع أم مَا فعل قَالَ لَهُ [لَهَا] أَيُّوب: مَا كَانَ منكِ فَبَكَتْ وَقَالَ: بعلي فَهَل
(5/658)
رَأَيْته فَقَالَ: وَهل تعرفيته إِذا رَأَيْته قَالَت: وَهل يخفى على أحد رَآهُ ثمَّ جعلت تنظر إِلَيْهِ ويعرّفها بِهِ ثمَّ قَالَت: أما إِنَّه كَانَ أشبه خلق الله بك إِذْ كَانَ صَحِيحا
قَالَ: فَإِنِّي أَيُّوب الَّذِي أَمرتنِي أَن أذبح للشَّيْطَان وَإِنِّي أَطَعْت الله وعصيت الشَّيْطَان ودعوت الله فرّد عَليّ مَا تَرين
ثمَّ إِن الله رَحمهَا لصبرها مَعَه على الْبلَاء فَأمره تَخْفِيفًا عَنْهَا أَن يَأْخُذ جمَاعَة من الشّجر فيضربها ضَرْبَة وَاحِدَة تَخْفِيفًا عَنْهَا بصبرها مَعَه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن وهب قَالَ: لم يكن الَّذِي أصَاب أَيُّوب الجذام وَلكنه أَصَابَهُ أَشد من ذَلِك كَانَ يخرج فِي جسده مثل ثدي الْمَرْأَة ثمَّ يتفقأ
وَأخرج أَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن الْحسن قَالَ: إِن كَانَت الدودة لتقع من جَسَد أَيُّوب فيأخذها إِلَى مَكَانهَا وَيَقُول: كلي من رزق الله
وَأخرج الحلكم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس أَن امْرَأَة أَيُّوب قَالَت لَهُ: وَالله قد نزل بِي من الْجهد والفاقة مَا إِن بِعْت قَرْني برغيف فأطعمتك وَإنَّك رجل مجاب الدعْوَة فَادع الله أَن يشفيك
فَقَالَ: وَيحك
كُنَّا فِي النعماء سبعين سنة فَنحْن فِي الْبلَاء سبع سِنِين
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن عَسَاكِر عَن طَلْحَة بن مطرف قَالَ: قَالَ إِبْلِيس: مَا أصبت من أَيُّوب شَيْئا قطّ أفرح بِهِ إِلَّا أَنِّي كنت إِذا سَمِعت أنينه علمت أَنِّي أوجعته
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد قَالَ: أَن أول من أَصَابَهُ الجدري أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن أَيُّوب لبث بِهِ بلاؤه ثَمَانِي عشرَة سنة فرفضه الْقَرِيب والبعيد إِلَّا رجلَيْنِ من إخوانه كَانَا من أخص إخوانه كَانَا يغدوان إِلَيْهِ ويروحان فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه ذَات يَوْم: تعلم وَالله لقد أذْنب أَيُّوب ذَنبا مَا أذنبه أحد
قَالَ: وَمَا ذَاك قَالَ: مُنْذُ ثَمَانِي عشرَة سنة لم يرحمه الله فَيكْشف عَنهُ مَا بِهِ
فَلَمَّا جَاءَ إِلَى أَيُّوب لم يصبر الرجل حَتَّى ذكر لَهُ ذَلِك فَقَالَ أَيُّوب: لَا أَدْرِي مَا تَقول غير أَن الله يعلم أَنِّي
(5/659)
كنت أَمر بِالرجلَيْنِ يتباعدان يذكران الله فأرجع إِلَى بَيْتِي فأولف بَينهمَا كَرَاهَة أَن يذكر الله لَا فِي حق
وَكَانَ يخرج لِحَاجَتِهِ فَإِذا قضى حَاجته أَمْسَكت امْرَأَته بِيَدِهِ حَتَّى يبلغ فَلَمَّا كَانَ ذَات يَوْم أَبْطَأَ عَلَيْهَا فَأوحى الله إِلَى أَيُّوب فِي مَكَانَهُ أَن (اركض برجلك هَذَا مغتسل بَارِد وشراب) (ص آيَة 42) فاستبطأته فَأَتَتْهُ فَأقبل عَلَيْهَا قد أذهب الله مَا بِهِ من الْبلَاء وَهُوَ أحسن مَا كَانَ فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَت: أَي بَارك الله فِيك هَل رَأَيْت نَبِي الله الْمُبْتَلى وَالله على ذَاك مَا رَأَيْت رجلا أشبه بِهِ مِنْك إِذْ كَانَ صَحِيحا
قَالَ: فَإِنِّي أَنا هُوَ
قَالَ: وَكَانَ لَهُ أندران [الأندر هُوَ البيدر كَمَا فِي النِّهَايَة] اندر للقمح وأندر للشعير فَبعث الله سحابتين فَلَمَّا كَانَت إِحْدَاهمَا على أندر الْقَمْح أفرغت فِيهِ الذَّهَب حَتَّى فاض وأفرغت الْأُخْرَى فِي أندر الشّعير الْوَرق حَتَّى فاض
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَوْله: {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهله وَمثلهمْ مَعَهم} قَالَ: رد الله امْرَأَته وَزَاد فِي شبابها حَتَّى ولدت لَهُ سِتَّة وَعشْرين ذكرا وأهبط الله إِلَيْهِ ملكا فَقَالَ: يَا أَيُّوب رَبك يُقْرِئك السَّلَام بصبرك على الْبلَاء فَاخْرُج إِلَى أندرك [الأندر هُوَ البيدر كَمَا فِي النِّهَايَة]
فَبعث الله سَحَابَة حَمْرَاء فَهَبَطت عَلَيْهِ بجراد الذَّهَب وَالْملك قَائِم يجمعه فَكَانَت الْجَرَاد تذْهب فيتبعها حَتَّى يردهَا فِي أندره
قَالَ الْملك: يَا أَيُّوب أَو مَا تشبع من الدَّاخِل حَتَّى تتبع الْخَارِج فَقَالَ: إِن هَذِه بركَة من بَرَكَات رَبِّي وَلست أشْبع مِنْهَا
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بَينا أَيُّوب يغْتَسل عُريَانا خر عَلَيْهِ جَراد من ذهب فَجعل أَيُّوب يحثي فِي ثَوْبه فناداه ربه: يَا أَيُّوب ألم أكن أغنيتك عَمَّا ترى قَالَ: بلَى وَعزَّتك وَلَكِن لَا غنى لي عَن بركتك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لما عافى الله أَيُّوب أمطر عَلَيْهِ جَرَادًا من ذهب فَجعل يَأْخُذهُ بِيَدِهِ ويجعله فِي ثَوْبه فَقيل لَهُ: يَا أَيُّوب أما تشبع قَالَ: وَمن يشْبع من فضلك ورحمتك
(5/660)
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس أَن أَيُّوب عَاشَ بعد ذَلِك سبعين سنة بِأَرْض الرّوم على دين الحنيفية وعَلى ذَلِك مَاتَ وتغيروا بعد ذَلِك وغيروا دين إِبْرَاهِيم كَمَا غَيره من كَانَ قبلهم
وَأخرج الْحَاكِم عَن وهب قَالَ: عَاشَ أَيُّوب ثَلَاثًا وَتِسْعين سنة وَأوصى عِنْد مَوته إِلَى ابْنه حرمل وَقد بعث الله بعده بشر بن أَيُّوب نَبيا وَسَماهُ ذَا الكفل وَكَانَ مُقيما بِالشَّام عمره حَتَّى مَاتَ ابْن خمس وَسبعين سنة وَأَن بشرا أوصى إِلَى ابْنه عَبْدَانِ ثمَّ بعث الله بعدهمْ شعيباً
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي عبد الله الجدلي قَالَ: كَانَ أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من جَار عينه تراني وَقَلبه يرعاني إِن رأى حَسَنَة أطفأها وَإِن رأى سَيِّئَة أذاعها
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن مُجَاهِد قَالَ: يُؤْتى بِثَلَاثَة يَوْم الْقِيَامَة: بالغني وَالْمَرِيض وَالْعَبْد الْمَمْلُوك فَيُقَال للغني: مَا مَنعك من عبادتي فَيَقُول: يَا رب أكثرت لي من المَال فطغيت
فَيُؤتى بِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فِي ملكه فَيَقُول: أَنْت كنت أَشد شغلاً من هَذَا فَيَقُول: لَا بل هَذَا
قَالَ: فَإِن هَذَا لم يمنعهُ ذَلِك أَن عبدني
ثمَّ يُؤْتى بالمريض فَيَقُول: مَا مَنعك من عبادتي فَيَقُول: شغلت على جَسَدِي فَيُؤتى بِأَيُّوب فِي ضره فَيَقُول: أَنْت كنت أشدا ضراً من هَذَا قَالَ: لَا بل هَذَا
قَالَ: فَإِن هَذَا لم يمنعهُ ذَلِك أَن عبدني
ثمَّ يُؤْتى بالمملوك فَيَقُول: مَا مَنعك من عبادتي فَيَقُول: يَا رب جعلت عَليّ أَرْبَابًا يملكونني
فَيُؤتى بِيُوسُف فِي عبوديته فَيَقُول: أَنْت كنت أَشد عبودية أم هَذَا قَالَ: لَا بل هَذَا قَالَ: فَإِن هَذَا لم يمنعهُ أَن عبدني
وَالله أعلم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَذَا الكفل} قَالَ: رجل صَالح غير نَبِي تكفل لنَبِيّ قومه أَن يَكْفِيهِ أَمر قومه ويقيمهم لَهُ وَيَقْضِي بَينهم بِالْعَدْلِ فَفعل ذَلِك فَسُمي {وَذَا الكفل}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: لما كبر اليسع قَالَ: لَو أَنِّي اسْتخْلفت رجلا على النَّاس يعْمل عَلَيْهِم فِي حَياتِي حَتَّى أنظر كَيفَ يعْمل فَجمع
(5/661)
النَّاس فَقَالَ: من يتكفل لي بِثَلَاث: أستخلفه يَصُوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل وَلَا يغْضب قَالَ: فَقَامَ رجل تزدريه الْعين فَقَالَ: أَنا
فَقَالَ: أَنْت تَصُوم النَّهَار وَتقوم اللَّيْل وَلَا تغْضب قَالَ: نعم
قَالَ: فردّه من ذَلِك الْيَوْم وَقَالَ مثلهَا فِي الْيَوْم الآخر فَسكت النَّاس وَقَامَ ذَلِك الرجل فَقَالَ: أَنا
فاستخلفه
قَالَ: فَجعل إِبْلِيس يَقُول للشياطين: عَلَيْكُم بفلان فأعياهم ذَلِك فَقَالَ: دَعونِي وإياه
فَأَتَاهُ فِي صُورَة شيخ كَبِير فَقير فَأَتَاهُ حِين أَخذ مضجعه للقائلة - وَكَانَ لَا ينَام من اللَّيْل وَالنَّهَار إِلَّا تِلْكَ النومة - فدق الْبَاب فَقَالَ: من هَذَا قَالَ: شيخ كَبِير مظلزم
قَالَ: فَقَامَ فَفتح الْبَاب فَجعل يكثر عَلَيْهِ فَقَالَ: إِن بيني وَبَين قومِي خُصُومَة وَإِنَّهُم ظلموني وفعلوا بِي وفعلوا
وَجعل يطول عَلَيْهِ حَتَّى حَضَره وَقت الرواح وَذَهَبت القائلة وَقَالَ: إِذا رحت فائتني آخذ لَك بحقك
فَانْطَلق وَرَاح وَكَانَ فِي مَجْلِسه فَجعل ينظر هَل يرى الشَّيْخ الْكَبِير الْمَظْلُوم فَلم يره فَقَامَ يبغيه فَلَمَّا كَانَ الْغَد جعل يقْضِي بَين النَّاس فينتظره فَلَا يرَاهُ فَلَمَّا رَاح إِلَى بَيته جَاءَ فدق عَلَيْهِ الْبَاب فَقَالَ: من هَذَا قَالَ: الشَّيْخ الْكَبِير الْمَظْلُوم فَفتح لَهُ فَقَالَ: ألم أقل لَك إِذا قعدت فائتني قَالَ: إِنَّهُم أَخبث قوم
قَالَ: إِذا رحت فائتني ففاتته القائلة فراح فَجعل ينظر وَلَا يرَاهُ وشق عَلَيْهِ النعاس فَلَمَّا كَانَ تِلْكَ السَّاعَة جَاءَ فَقَالَ لَهُ الرجل: مَا وَرَاءَك قَالَ: إِنِّي قد أَتَيْته أمس فَذكرت لَهُ أَمْرِي
فَقَالَ: لَا وَالله لقد أمرنَا أَن لَا يدع أحدا يقربهُ
فَلَمَّا أعياه نظر فَرَأى كوّة فِي الْبَيْت فتسوّر مِنْهَا فَإِذا هُوَ فِي الْبَيْت فَإِذا هُوَ يدق الْبَاب من دَاخل فَاسْتَيْقَظَ الرجل فَقَالَ: يَا فلَان ألم آمُرك قَالَ: من قبلي وَالله لم تؤت فَانْظُر من أَيْن أتيت
فَقَامَ إِلَى الْبَاب فَإِذا هُوَ مغلق كَمَا أغلقه وَإِذا بِرَجُل مَعَه فِي الْبَيْت فَعرفهُ فَقَالَ لَهُ: عَدو الله قَالَ: نعم أعييتني فِي كل شَيْء فَفعلت مَا ترى لأغضبك
فَسَماهُ الله {وَذَا الكفل} لِأَنَّهُ تكفل بِأَمْر فوفى بِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ قَاض فِي بني إِسْرَائِيل فحضره الْمَوْت فَقَالَ: من يقوم مقَامي على أَن لَا يغْضب فَقَالَ رجل: أَنا
فَسُمي {وَذَا الكفل} فَكَانَ ليله جَمِيعًا يُصَلِّي ثمَّ يصبح صَائِما فَيَقْضِي بَين النَّاس وَله سَاعَة يقيلها فَكَانَ بذلك فَأَتَاهُ الشَّيْطَان عِنْد نومته فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه: مَا لَك قَالَ: إِنْسَان مِسْكين لَهُ على رجل حق قد غلبني عَلَيْهِ
فَقَالُوا: كَمَا أَنْت حَتَّى يَسْتَيْقِظ
(5/662)
قَالَ وَهُوَ فَوق نَائِم: فَجعل يَصِيح عمدا حَتَّى يغضبه
فَسمع فَقَالَ: مَا لَك قَالَ: إِنْسَان مِسْكين لي على رجل حق
قَالَ: اذْهَبْ فَقل لَهُ يعطيك
قَالَ: قد أَبى
قَالَ: اذْهَبْ أَنْت إِلَيْهِ
فَذهب ثمَّ جَاءَ من الْغَد فَقَالَ: مَا لَك قَالَ: ذهبت إِلَيْهِ فَلم يرفع بكلامك رَأْسا
قَالَ: اذْهَبْ أَنْت إِلَيْهِ
فَذهب ثمَّ جَاءَ من الْغَد حِين قَالَ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه: أخرج فعل الله بك تَجِيء كل يَوْم حِين ينَام لَا تَدعه ينَام فَجعل يَصِيح: من أجل أَنِّي إِنْسَان مِسْكين لَو كنت غَنِيا
فَسمع أَيْضا قَالَ: مَا لَك قَالَ: ذهبت إِلَيْهِ فضربني
قَالَ: امش حَتَّى أجيء مَعَك فَهُوَ مُمْسك بِيَدِهِ فَلَمَّا رَآهُ ذهب مَعَه نثر يَده مِنْهُ فَذهب ففر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الْغَضَب وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن الْحَارِث قَالَ: قَالَ نَبِي من الْأَنْبِيَاء لمن مَعَه: أَيّكُم يكفل لي أَن يَصُوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل وَلَا يغْضب وَيكون معي فِي درجتي وَيكون بعدِي فِي مقَامي قَالَ شَاب من الْقَوْم: أَنا
ثمَّ أعَاد فَقَالَ الشَّاب: أَنا ثمَّ أعَاد فَقَالَ الشَّاب أَنا ثمَّ أعَاد فَقَالَ الشَّاب أَنا فَلَمَّا مَاتَ قَامَ بعده فِي مقَامه فَأَتَاهُ إِبْلِيس بَعْدَمَا قَالَ ليغضبه يستعديه فَقَالَ لرجل: اذْهَبْ مَعَه
فجَاء فَأخْبرهُ أَنه لم ير شَيْئا ثمَّ أَتَاهُ فَأرْسل مَعَه آخر فَجَاءَهُ فَأخْبرهُ أَنه لم ير شَيْئا ثمَّ أَتَاهُ فَقَامَ مَعَه فَأخذ بِيَدِهِ فانفلت مِنْهُ فَسُمي {وَذَا الكفل} لِأَنَّهُ كفل أَن لَا يغْضب
وَأخرج ابْن سعيد النقاش فِي كتاب الْقُضَاة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ نَبِي جمع أمته فَقَالَ: أَيّكُم يتكفل لي بِالْقضَاءِ بَين أمتِي على أَن لَا يغْضب فَقَامَ فَتى فَقَالَ: أَنا يَا رَسُول الله ثمَّ عَاد فَقَالَ الْفَتى أَنا ثمَّ قَالَ لَهُم الثَّالِثَة أَيّكُم يتكفل لي بِالْقضَاءِ بَين النَّاس على أَن لَا يغْضب فَقَالَ الْفَتى أَنا فاستخلفه فَأَتَاهُ الشَّيْطَان بعد حِين وَكَانَ يقْضِي حَتَّى إِذا انتصف النَّهَار ثمَّ رَجَعَ ثمَّ رَاح النَّاس فَأَتَاهُ الشَّيْطَان نصف النَّهَار وَهُوَ نَائِم فناداه حَتَّى أيقظه فاستعداه فَقَالَ: إِن كتابك رده وَلم يرفع بِهِ رَأْسا ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثًا فَأخذ الرجل بِيَدِهِ ثمَّ مَشى مَعَه سَاعَة فَلَمَّا رأى الشَّيْطَان ذَلِك نزع يَده من يَده ثمَّ فر فَسُمي {وَذَا الكفل}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن حجيرة الْأَكْبَر أَنه بلغه أَنه كَانَ ملك من مُلُوك بني إِسْرَائِيل عتى فِي ملكه فَلَمَّا حَضرته الْوَفَاة أَتَاهُ رؤوسهم فَقَالُوا: اسْتخْلف علينا ملكا نفزع إِلَيْهِ
فَجمع إِلَيْهِ رؤوسهم فَقَالَ: من رجل تكفل لي بِثَلَاث وأوليه
(5/663)
ملكي فَلم يتَكَلَّم إِلَّا فَتى من الْقَوْم قَالَ أَنا
قَالَ: اجْلِسْ
ثمَّ قَالَهَا ثَانِيَة فَلم يتَكَلَّم أحد إِلَّا الْفَتى قَالَ: تكفل لي بِثَلَاث وأوليك ملكي قَالَ: نعم
قَالَ: تقوم اللَّيْل فَلَا ترقد وتصوم النَّهَار فَلَا تفطر وتحكم فَلَا تغْضب
قَالَ: نعم
قَالَ: قد وليتك ملكي فَلَمَّا أَن كَانَ مَكَانَهُ قَامَ اللَّيْل وَصَامَ النَّهَار وَحكم فَلَا يعجل وَلَا يغْضب يَغْدُو فيجلس لَهُم فتمثل لَهُ الشَّيْطَان فِي صُورَة رجل فَأَتَاهُ وَقد تحين مقِيله فَقَالَ: أعدني على رجل ظَلَمَنِي
فَأرْسل مَعَه رَسُولا فَجعل يطوف بِهِ وَذُو الكفل ينظره حَتَّى فَاتَتْهُ رقدته ثمَّ انْسَلَّ من وسط النَّاس فَأَتَاهُ رَسُول فَأخْبرهُ فراح للنَّاس فَجَلَسَ لَهُم فَقَالَ الشَّيْطَان: لَعَلَّه يرقد اللَّيْل وَلم يصم النَّهَار فَلَمَّا أَمْسَى صلى صلَاته الَّتِي كَانَ يُصَلِّي ثمَّ أَتَاهُ الْغَد وَقد تحين مقِيله فَقَالَ: أعدني على صَاحِبي
فَأرْسل مَعَه وانتظره وتبطأ حَتَّى فَاتَ ذُو الكفل رقدته ثمَّ أَتَاهُ الرَّسُول فَأخْبرهُ فراح وَلم ينم فَقَالَ الشَّيْطَان: اللَّيْلَة يرقد
فأمسى يُصَلِّي صلَاته كَمَا كَانَ يُصَلِّي
ثمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: قد صنعت بِهِ مَا صنعت لَعَلَّه يغْضب
قَالَ: أعدني على صَاحِبي
فَقَالَ: ألم أرسل مَعَك رَسُولا قَالَ: بلَى
وَلَكِن لم أَجِدهُ
فَقَالَ لَهُ ذُو الكفل: انْطلق فَأَنا ذَاهِب مَعَك
فَانْطَلق فَطَافَ بِهِ ثمَّ قَالَ لَهُ: أَتَدْرِي من أَنا قَالَ: لَا
قَالَ: أَنا الشَّيْطَان كنت تكفلت لصاحبك بِأَمْر فَأَرَدْت أَن تدع بعضه وَإِن الله قد عصمك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا كَانَ ذُو الكفل بِنَبِي وَلَكِن كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل رجل صَالح يُصَلِّي كل يَوْم مائَة صَلَاة فَتوفي فتكل لَهُ ذُو الكفل من بعده
فَكَانَ يُصَلِّي كل يَوْم مائَة صَلَاة فَسُمي ذَا الكفل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن الْمُنْذر وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق سعيد مولى طَلْحَة عَن ابْن عمر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كَانَ ذُو الكفل من بني إِسْرَائِيل لَا يتورع من ذَنْب عمله فَأَتَتْهُ امْرَأَة فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارا على أَن يَطَأهَا فَلَمَّا قعد مِنْهَا مقْعد الرجل من امْرَأَته أرعدت وبكت
فَقَالَ: مَا يبكيك أكرهتك
قَالَت: لَا وَلكنه عمل مَا عملته قطّ وَمَا حَملَنِي عَلَيْهِ إِلَّا الْحَاجة
فَقَالَ: تفعلين أَنْت هَذَا وَمَا فعلته اذهبي فَهِيَ لَك
وَقَالَ: وَالله لَا أعصي الله بعْدهَا أبدا
فَمَاتَ من ليلته فَأصْبح مَكْتُوبًا على بَابه: إِن الله قد غفر لذِي الكفل
(5/664)
وَأخرجه ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق نَافِع عَن ابْن عَمْرو: قَالَ فِيهِ ذُو الكفل
الْآيَة 87 - 88
(5/665)
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)
أخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَذَا النُّون إِذْ ذهب مغاضباً} يَقُول: غضب على قومه {فَظن أَن لن نقدر عَلَيْهِ} يَقُول: أَن لن نقضي عَلَيْهِ عُقُوبَة وَلَا بلَاء فِيمَا صنع بقَوْمه فِي غَضَبه عَلَيْهِم وفراره
قَالَ: وعقوبته أَخذ النُّون إِيَّاه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {وَذَا النُّون إِذْ ذهب مغاضباً} قَالَ: مغاضباً لِقَوْمِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو بن قيس قَالَ: كَانَت تكون أَنْبيَاء جَمِيعًا يكون عَلَيْهِم وَاحِد فَكَانَ يُوحى إِلَى ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أرسل فلَان إِلَى بني فلَان فَقَالَ الله: {إِذْ ذهب مغاضباً} قَالَ: مغاضباً لذَلِك النَّبِي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فَظن أَن لن نقدر عَلَيْهِ} قَالَ: ظن أَن لن يَأْخُذهُ الْعَذَاب الَّذِي أَصَابَهُ
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِذْ ذهب مغاضباً} قَالَ: انْطلق آبقا {فَظن أَن لن نقدر عَلَيْهِ} فَكَانَ لَهُ سلف من عمل صَالح فَلم يَدعه الله فبه أدْركهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَظن أَن لن نقدر عَلَيْهِ} قَالَ: ظن أَن لن نعاقبه بذلك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة فِي قَوْله: {فَظن أَن لن نقدر عَلَيْهِ} قَالَ: أَن لن نقضي عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {فَظن أَن لن نقدر عَلَيْهِ}
(5/665)
يَقُول: ظن أَن الله لن يقْضِي عَلَيْهِ عُقُوبَة وَلَا بلَاء فِي غَضَبه الَّذِي غضب على قومه فِرَاقه إيَّاهُم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن الْحَارِث قَالَ: لما الْتَقم الْحُوت يُونُس نبذ بِهِ إِلَى قَرَار الأَرْض فَسمع تَسْبِيح الأَرْض فَذَاك الَّذِي حاجه فناداه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَظن أَن لن نقدر عَلَيْهِ} قَالَ: ظن أَن لن نعاقبه {فَنَادَى فِي الظُّلُمَات} قَالَ: ظلمَة اللَّيْل وظلمة الْبَحْر وظلمة بطن الْحُوت {أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين} قَالَ الْمَلَائِكَة: صَوت مَعْرُوف فِي أَرض غَرِيبَة
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة والكلبي {فَظن أَن لن نقدر عَلَيْهِ} قَالَا: ظن أَن لن نقضي عَلَيْهِ الْعقُوبَة
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فَنَادَى فِي الظُّلُمَات} قَالَ: ظلمَة اللَّيْل وظلمة الْبَحْر وظلمة بطن الْحُوت
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب وَعَمْرو بن مَيْمُون وَقَتَادَة مثله
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن سعيد بن جُبَير مثله
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْفرج بعد الشدَّة وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ {فَنَادَى فِي الظُّلُمَات} قَالَ: ظلمَة اللَّيْل وظلمة بطن الْحُوت وظلمة الْبَحْر
وَأخرج ابْن جرير عَن سَالم بن أبي الْجَعْد قَالَ: أوحى الله تَعَالَى إِلَى الْحُوت أَن: لَا تضر لَهُ لَحْمًا وَلَا عظما ثمَّ ابتلع الْحُوت حوت آخر قَالَ: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَات} قَالَ: ظلمَة الْحُوت ثمَّ حوت ثمَّ ظلمَة الْبَحْر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك قَالَ: كل تَسْبِيح فِي الْقُرْآن صَلَاة إِلَّا قَوْله: {سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين}
وَأخرج الزبير بن بكار فِي الموفقيات من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن مُعَاوِيَة قَالَ لَهُ يَوْمًا: إِنِّي قد ضربتني أمواج الْقُرْآن البارحة فِي آيَتَيْنِ لم أعرف تأويلهما فَفَزِعت إِلَيْك
قَالَ: وَمَا هما قَالَ: قَول الله: {وَذَا النُّون إِذْ ذهب مغاضبا فَظن أَن لن نقدر عَلَيْهِ} وَأَنه يفوتهُ إِن أَرَادَهُ وَقَول الله:
(5/666)
(حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل وظنوا أَنهم قد كذبُوا) (يُوسُف آيَة 110) كَيفَ هَذَا يظنون أَنه قد كذبهمْ مَا وعدهم فَقَالَ ابْن عَبَّاس: أما يُونُس فَظن أَن لن تبلغ خطيئته أَن يقدر الله عَلَيْهِ فِيهَا الْعقَاب وَلم يشك أَن الله إِن أَرَادَهُ قدر عَلَيْهِ
وَأما الْآيَة الْأُخْرَى فَإِن الرُّسُل استيأسوا من إِيمَان قَومهمْ وظنوا أَن من عصاهم لرضا فِي الْعَلَانِيَة قد كذبهمْ فِي السِّرّ وَذَلِكَ لطول الْبلَاء وَلم تستيئس الرُّسُل من نصر الله وَلم يَظُنُّوا أَنهم كذبهمْ مَا وعدهم
فَقَالَ مُعَاوِيَة: فرجت عني با ابْن عَبَّاس فرج الله عَنْك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم ن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما دَعَا يُونُس قومه أوحى الله إِلَيْهِ أَن الْعَذَاب يصبحهم فَقَالَ لَهُم فَقَالُوا: مَا كذب يُونُس وليصبحنا الْعَذَاب فتعالوا حَتَّى نخرج سخال كل شَيْء فنجعلها من أَوْلَادنَا لَعَلَّ الله أَن يرحمهم
فأخرجوا النِّسَاء مَعَ الْولدَان وأخرجوا الْإِبِل مَعَ فصلانها وأخرجوا الْبَقر مَعَ عجاجيلها وأخرجوا الْغنم مَعَ سخالها فجعلوه أمامهم وَأَقْبل الْعَذَاب
فَلَمَّا رَأَوْهُ جأروا إِلَى الله ودعوا وَبكى النِّسَاء والولدان ورغت الإِبل وفصلانها وخارت الْبَقر وعجاجيلها وثغت الْغنم وسخالها فَرَحِمهمْ الله فصرف ذَلِك الْعَذَاب عَنْهُم وَغَضب يُونُس فَقَالَ: كذبت فَهُوَ قَوْله: {إِذْ ذهب مغاضباً} فَمضى إِلَى الْبَحْر وَقوم رست سفينتهم فَقَالَ: احْمِلُونِي مَعكُمْ فَحَمَلُوهُ فَأخْرج الْجعل فَأَبَوا أَن يقبلوه مِنْهُ فَقَالَ: إِذا أخرج عَنْكُم
فقبلوه فَلَمَّا لجت السَّفِينَة فِي الْبَحْر أَخذهم الْبَحْر والأمواج فَقَالَ لَهُم يُونُس: اطرحوني تنجوا
قَالُوا: بل نمسكك ننجو
قَالَ: فساهموني - يَعْنِي قارعوني - فساهموه ثَلَاثًا فَوَقَعت عَلَيْهِ الْقرعَة فَأوحى إِلَى سَمَكَة يُقَال لَهَا النَّجْم من الْبَحْر الْأَخْضَر أَن شقي الْبحار حَتَّى تأخذي يُونُس فَلَيْسَ يُونُس لَك رزقا وَلَكِن بَطْنك لَهُ سجن فَلَا تخدشي لَهُ جلدا وَلَا تكسري لَهُ عظما فَجَاءَت حَتَّى اسْتقْبلت السَّفِينَة فقارعوه الثَّالِثَة فَوَقَعت عَلَيْهِ فاقتحم المَاء فالتقمته السَّمَكَة فشقت بِهِ الْبحار حَتَّى انْتَهَت بِهِ إِلَى الْبَحْر الْأَخْضَر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما الْتَقم الْحُوت يُونُس ذهب بِهِ حَتَّى أوقفهُ بِالْأَرْضِ السَّابِعَة فَسمع تَسْبِيح الأَرْض
(5/667)
فهيجه على التَّسْبِيح فَقَالَ: {لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين} فَأَخْرَجته حَتَّى ألقته على الأَرْض بِلَا شعر وَلَا ظفر مثل الصَّبِي المنفوس فأنبتت عَلَيْهِ شَجَرَة تظله وَيَأْكُل من تحتهَا من حشرات الأَرْض فَبينا هُوَ نَائِم تحتهَا إِذْ تساقط وَرقهَا قد يَبِسَتْ
فَشَكا ذَلِك إِلَى ربه فَقَالَ: تحزن على شَجَرَة يَبِسَتْ وَلَا تحزن على مائَة ألف أَو يزِيدُونَ يُعَذبُونَ وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْفرج وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَفعه: أَن يُونُس حِين بدا لَهُ أَن يَدْعُو الله بالكلمات حِين ناداه فِي بطن الْحُوت قَالَ: اللَّهُمَّ {لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين} فَأَقْبَلت الدعْوَة تحف بالعرش فَقَالَت الْمَلَائِكَة: هَذَا صَوت ضَعِيف مَعْرُوف فِي بِلَاد غَرِيبَة فَقَالَ: أما تعرفُون ذَلِك قَالَ: يَا رب وَمَا هُوَ قَالَ: ذَاك عَبدِي يُونُس
قَالُوا: عَبدك يُونُس الَّذِي لم يزل يرفع لَهُ عمل متقبل وَدعوهُ مجابة قَالَ: نعم
قَالُوا: يَا رب أَفلا ترحم مَا كَانَ يصنع فِي الرخَاء فتنجيه من الْبلَاء قَالَ: بلَى
فَأمر الْحُوت فطرحه بالعراء فأنبت الله عَلَيْهِ اليقطينة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا: لَيْسَ لعبد أَن يَقُول أَنا خير من يُونُس بن مَتى سبح الله فِي الظُّلُمَات
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ والحكيم فِي نَوَادِر الْأُصُول وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: دَعْوَة ذِي النُّون إِذْ هُوَ فِي بطن الْحُوت {لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين} لم يدع بهَا مُسلم ربه فِي شَيْء قطّ إِلَّا اسْتَجَابَ لَهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن سعد رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: اسْم الله الَّذِي دعِي بِهِ أجَاب وَإِذا سُئِلَ بِهِ أعْطى دَعْوَة يُونُس بن مَتى
قلت: يَا رَسُول الله هِيَ ليونس خَاصَّة أم لجَماعَة الْمُسلمين قَالَ: هِيَ ليونس خَاصَّة وَلِلْمُؤْمنِينَ إِذا دعوا بهَا ألم تسمع قَول الله: {وَكَذَلِكَ ننجي الْمُؤمنِينَ} فَهُوَ شَرط من الله لمن دَعَاهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والدبلمي عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(5/668)
قَالَ: هَذِه الْآيَة مفزع للأنبياء {لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين} نَادَى بهَا يُونُس فِي ظلمَة بطن الْحُوت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اسْم الله الْأَعْظَم الَّذِي إِذا دعِي بِهِ أجَاب وَإِذا سُئِلَ بِهِ أعْطى {لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين}
وَأخرج الْحَاكِم عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: هَل أدلكم على اسْم الله الْأَعْظَم دُعَاء يُونُس {لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين} فأيما مُسلم دَعَا ربه بِهِ فِي مَرضه أَرْبَعِينَ مرّة فَمَاتَ فِي مَرضه ذَلِك أعطي أجر شَهِيد
وَإِن برأَ برأَ مغفوراً لَهُ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قَالَ أَنا خير من يُونُس بن مَتى فقد كذب
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر على ثنية فَقَالَ: مَا هَذِه قَالُوا: ثنية كَذَا وَكَذَا
قَالَ: كَأَنِّي أنظر إِلَى يُونُس على نَاقَة خطامها لِيف وَعَلِيهِ جُبَّة من صوف وَهُوَ يَقُول: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يَقُول أَنا خير من يُونُس بن مَتى - نِسْبَة إِلَى أَبِيه - أصَاب ذَنبا ثمَّ اجتباه ربه
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَقُولَن أحدكُم أَنا خير من يُونُس بن مَتى
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يَقُول أَنا خير من يُونُس بن مَتى
وَالله أعلم
الْآيَة 89 - 90
(5/669)
وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وأصلحنا لَهُ زوجه} قَالَ: كَانَ فِي لِسَان امْرَأَة زَكَرِيَّا طول فأصلحه الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والخرائطي فِي مساوئ الْأَخْلَاق وَابْن عَسَاكِر عَن عَطاء بن أبي رَبَاح فِي قَوْله: {وأصلحنا لَهُ زوجه} قَالَ: كَانَ فِي خلقهَا سوء وَفِي لسانها طول - وَهُوَ الْبذاء - فَأصْلح الله ذَلِك مِنْهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي قَوْله: {وأصلحنا لَهُ زوجه} قَالَ: كَانَ فِي خلقهَا شَيْء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {وأصلحنا لَهُ زوجه} قَالَ: كَانَت لَا تَلد
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وأصلحنا لَهُ زوجه} قَالَ: كَانَت لَا تَلد
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وأصلحنا لَهُ زوجه} قَالَ: وهبنا لَهُ ولدا مِنْهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وأصلحنا لَهُ زوجه} قَالَ: كَانَت عاقراً فَجَعلهَا الله ولوداً ووهب لَهُ مِنْهَا يحيى
وَفِي قَوْله: {وَكَانُوا لنا خاشعين} قَالَ: أذلاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {ويدعوننا رغباً ورهباً} قَالَ: {رغباً} طَمَعا وخوفاً وَلَيْسَ يَنْبَغِي لأَحَدهمَا أَن يُفَارق الآخر
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن الْحسن فِي قَوْله: {ويدعوننا رغباً ورهباً وَكَانُوا لنا خاشعين} قَالَ: الْخَوْف الدَّائِم فِي الْقلب
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله: {ويدعوننا رغباً ورهباً} قَالَ: مَا دَامَ خوفهم رَبهم فَلم يُفَارق خَوفه قُلُوبهم إِن نزلت بهم رَغْبَة خَافُوا أَن يكون ذَلِك استدراجاً من الله لَهُم وَإِن نزلت بهم رهبة خَافُوا أَن يكون الله عز وَجل قد أَمر بأخذهم لبَعض مَا سلف مِنْهُم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَول
(5/670)
الله عز وَجل: {ويدعوننا رغبا ورهبا} قَالَ: {ورهبا} هَكَذَا وَبسط كفيه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن حَكِيم قَالَ: خَطَبنَا أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: أما بعد فَإِنِّي أوصيكم بتقوى الله وَأَن تثنوا عَلَيْهِ بِمَا هُوَ لَهُ أهل وَأَن تخلطوا الرَّغْبَة بالرهبة فَإِن الله أثنى على زَكَرِيَّا وَأهل بَيته فَقَالَ: {إِنَّهُم كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخيرَات ويدعوننا رغباً ورهباً وَكَانُوا لنا خاشعين}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَكَانُوا لنا خاشعين} قَالَ: متواضعين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك {وَكَانُوا لنا خاشعين} قَالَ: الذلة لله
الْآيَة 91
(5/671)
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91) إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94) وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95) حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97) إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)

الأنبياء - تفسير الدر المنثور
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كتب قَيْصر إِلَى مُعَاوِيَة: سَلام عَلَيْك أما بعد
فأنبئني بأكرم عباد الله عَلَيْهِ وَأكْرم إمائه عَلَيْهِ
فَكتب إِلَيْهِ: أما بعد
كتبت إِلَيّ تَسْأَلنِي فَقلت: أمّا أكْرم عباده عَلَيْهِ فآدم خلقه بِيَدِهِ وعلّمه الْأَسْمَاء كلهَا
وأمّا أكْرم إمائه عَلَيْهِ فمريم بنت عمرَان {الَّتِي أحصنت فرجهَا}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فنفخنا فِيهَا من رُوحنَا} قَالَ: نفخ فِي جيبها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل قَالَ: نفخ فِي فرجهَا
الْآيَة 92 - 95
(5/671)
إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94) وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة} قَالَ: إِن هَذَا دينكُمْ دينا وَاحِدًا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {إِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة} أَي دينكُمْ دين وَاحِد وربكم وَاحِد والشريعة مُخْتَلفَة
وَأخرج عبد بن حميدعن الْكَلْبِيّ {إِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة} قَالَ: لسانكم لِسَان وَاحِد
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {وتقطعوا أَمرهم بَينهم} قَالَ: {وتقطعوا} اخْتلفُوا فِي الدّين
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ وَحرَام على قَرْيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن الزبير قَالَ: إِن صبياناً هَهُنَا يقرؤون وَحرم على قَرْيَة وَإِنَّمَا هِيَ {وَحرَام على قَرْيَة}
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن أَنه كَانَ يقْرَأ {وَحرَام على قَرْيَة} بِالْألف
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَحرَام على قَرْيَة أهلكناها} قَالَ: وَجب إهلاكها
قَالَ: دمرناها {أَنهم لَا يرجعُونَ} قَالَ: إِلَى الدُّنْيَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ وَحرم على قَرْيَة قَالَ: وَجب على قَرْيَة {أهلكناها أَنهم لَا يرجعُونَ} كَمَا قَالَ: (ألم يرَوا كم أهلكنا قبلهم من الْقُرُون أَنهم إِلَيْهِم لَا يرجعُونَ) (يس آيَة 31)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة وَسَعِيد بن جُبَير مثله
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ هَذَا الْحَرْف وَحرم على قَرْيَة فَقيل لسَعِيد: أَي شَيْء حرم قَالَ: يحرم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة وَحرم قَالَ: وَجب {على قَرْيَة أهلكناها} قَالَ: كتبنَا عَلَيْهَا الْهَلَاك فِي دينهَا {أَنهم لَا يرجعُونَ} عَمَّا هم عَلَيْهِ
(5/672)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة وَحرم قَالَ: وَجب بالحبشية
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَحرَام على قَرْيَة} أَي وَجب عَلَيْهَا أَنَّهَا إِذا أهلكت لَا ترجع إِلَى دنياها
الْآيَة 96 - 97
(5/673)
حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)
أخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {حَتَّى إِذا فتحت} خَفِيفَة {يَأْجُوج وَمَأْجُوج} مَهْمُوزَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وهم من كل حدب يَنْسلونَ} قَالَ: جَمِيع النَّاس من كَانَ مَكَان جاؤوا مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة فَهُوَ حدب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {من كل حدب يَنْسلونَ} قَالَ: من كل أكمة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {من كل حدب} قَالَ: شرف {يَنْسلونَ} قَالَ: يقبلُونَ
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {من كل حدب يَنْسلونَ} قَالَ: ينشرون من جَوف الأَرْض من كل نَاحيَة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت طرفَة وَهُوَ يَقُول: فَأَما يومهم فَيوم سوء تخطفهن بالحدب الصقور وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {حَتَّى إِذا فتحت يَأْجُوج وَمَأْجُوج} قَالَ: هَذَا مُبْتَدأ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ من كل جدث بِالْجِيم والثاء مثل قَوْله: {فَإِذا هم من الأجداث إِلَى رَبهم يَنْسلونَ} (يس آيَة 51) وَهِي الْقُبُور
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ: سَمِعت رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم يَقُول:
(5/673)
يفتح يَأْجُوج وَمَأْجُوج فَيخْرجُونَ على النَّاس كَمَا قَالَ الله: {من كل حدب يَنْسلونَ} فيغشون النَّاس وينحاز الْمُسلمُونَ عَنْهُم إِلَى مدائنهم وحصونهم ويضمون إِلَيْهِم مَوَاشِيهمْ وَيَشْرَبُونَ مياه الأَرْض حَتَّى يَتْرُكُوهُ يبساً حَتَّى إِن بَعضهم ليمر بذلك النَّهر فَيَقُول: قد كَانَ هَهُنَا مرّة مَاء
حَتَّى إِذا لم يبْق من النَّاس أحد إِلَّا أَخذ فِي حصن أَو مَدِينَة قَالَ قَائِلهمْ: هَؤُلَاءِ أهل الأَرْض قد فَرغْنَا مِنْهُم وَبَقِي أهل السَّمَاء
قَالَ: يهز أحدهم حربته ثمَّ يَرْمِي بهَا إِلَى السَّمَاء فترجع إِلَيْهِ مخضبة دَمًا للبلاء والفتنة فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك إِذْ بعث الله دوداً فِي أَعْنَاقهم كنغف الْجَرَاد يخرج فِي أعناقه فيصبحون موتى لَا يسمع لَهُم حس فَيَقُول الْمُسلمُونَ: أَلا رجل يشري لنا نَفسه فَينْظر مَا فعل هَؤُلَاءِ الْعَدو فيتجرد رجل مِنْهُم محتسباً نَفسه قد أوطنها على أَنه مقتول فَينزل فيجدهم موتى بَعضهم على بعض فينادي معشر الْمُسلمين أَبْشِرُوا إِن الله قد كفاكم عَدوكُمْ
فَيخْرجُونَ من مدائنهم وحصونهم ويسرحون مَوَاشِيهمْ فَمَا يكون لَهَا مرعى إِلَّا لحومهم فتشكر عَنهُ أحسن مَا شكرت عَن شَيْء من النَّبَات أَصَابَته قطّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لقِيت لَيْلَة أسرِي بِي إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى فتذاكروا أَمر السَّاعَة فَردُّوا أَمرهم إِلَى إِبْرَاهِيم فَقَالَ: لَا علم لي بهَا فَردُّوا أَمرهم إِلَى مُوسَى فَقَالَ: لَا علم لي بهَا فَردُّوا أَمرهم إِلَى عِيسَى فَقَالَ: أما وجبتهُّا فَلَا يعلم بهَا أحد إِلَّا الله وَفِيمَا عهد إليّ رَبِّي أَن الدَّجَّال خَارج وَمَعِي قضيبان فَإِذا رَآنِي ذاب كَمَا يذوب الرصاص فيهلكه الله إِذا رَآنِي حَتَّى أَن الْحجر وَالشَّجر يَقُول: يَا مُسلم إِن تحتي كَافِرًا فتعال فاقتله
فيهلكهم الله ثمَّ يرجع النَّاس إِلَى بِلَادهمْ لَا يأْتونَ على شَيْء إِلَّا أهلكوه وَلَا يَمرونَ على مَاء إِلَّا شربوه ثمَّ يرجع النَّاس يَشْكُونَهُمْ فأدعو الله عَلَيْهِم فيهلكهم ويميتهم حَتَّى تجْرِي الأَرْض من نَتن ريحهم وَينزل الله الْمَطَر فيجترف أَجْسَادهم حَتَّى يقذفهم فِي الْبَحْر
وَفِيمَا عهد إِلَيّ رَبِّي إِذا كَانَ ذَلِك أَن السَّاعَة كالحامل المتم لَا يدْرِي أَهلهَا مَتى تفجأهم بولادتها لَيْلًا أَو نَهَارا
قَالَ ابْن مَسْعُود: فَوجدت تَصْدِيق ذَلِك فِي كتاب الله: {حَتَّى إِذا فتحت يَأْجُوج وَمَأْجُوج وهم من كل حدب يَنْسلونَ واقترب الْوَعْد الْحق} الْآيَة
قَالَ:
(5/674)
جَمِيع النَّاس من مَكَان كَانُوا جاؤوا مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة فَهُوَ حدب
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق خَالِد بن عبد الله بن حَرْمَلَة عَن حُذَيْفَة قَالَ: خطب رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عاصب أُصْبُعه من لدغة عقرب فَقَالَ: إِنَّكُم تَقولُونَ لَا عدوّ لكم وَإِنَّكُمْ لَا تزالون تقاتلون عدوا حَتَّى يَأْتِي يَأْجُوج وَمَأْجُوج عراض الْوُجُوه صغَار الْعُيُون صهب الشفار من كل حدب يَنْسلونَ
كَانَ وُجُوههم المجان المطرقة
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الله بن أبي يزِيد قَالَ: رأى ابْن عَبَّاس صبياناً ينزو بَعضهم على بعض يَلْعَبُونَ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: هَكَذَا يخرج يَأْجُوج وَمَأْجُوج
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن النّواس بن سمْعَان قَالَ: ذكر رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم الدَّجَّال ذَات غَدَاة فخفض فِيهِ رفع حَتَّى ظننا أَنه فِي نَاحيَة النّخل فَقَالَ: غير الدَّجَّال أخوفني عَلَيْكُم فَإِن خرج وَأَنا فِيكُم فَأَنا حجيجه دونكم وَإِن يخرج وَلست فِيكُم فَكل امْرِئ حجيج نَفسه وَالله خليفتي على كل مُسلم
إِنَّه شَاب جعد قطط عينه طافئة وَإنَّهُ تخرج خيله بَين الشَّام وَالْعراق فعاث يَمِينا وَشمَالًا يَا عباد الله اثبتوا: قُلْنَا: يَا رَسُول الله مَا لبثه فِي الأَرْض قَالَ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْم كَسنة وَيَوْم كشهر وَيَوْم كجمعة وَسَائِر الْأَيَّام كأيامكم
قُلْنَا: يَا رَسُول الله فَذَلِك الْيَوْم الَّذِي هُوَ كَسنة أتكفينا فِيهِ صَلَاة يَوْم وَلَيْلَة قَالَ: لَا
أقدروا لَهُ قدره
قُلْنَا: يَا رَسُول الله مَا أسرعه فِي الأَرْض قَالَ: كالغيث يشْتَد بِهِ الرّيح فيمر بالحي فيدعوهم فيستجيبون لَهُ فيأمر السَّمَاء فتمطر وَالْأَرْض فتنبت وَتَروح عَلَيْهِم سارحتهم وَهِي أطول مَا كَانَ درا وأمده خواصر وأشبعه ضروعاً ويمرّ بالحي فيدعوهم فيردون عَلَيْهِ قَوْله فتتبعه أَمْوَالهم فيصبحون ممحلين لَيْسَ لَهُم من أَمْوَالهم شَيْء ويمر بالخربة فَيَقُول لَهَا: أَخْرِجِي كنوزك
فتتبعه كنوزها كيعاسيب النَّحْل وَيَأْمُر بِرَجُل فَيقْتل فيضربه ضَرْبَة بِالسَّيْفِ فيقطعه جزلتين رمية الْغَرَض ثمَّ يَدعُوهُ فَيقبل إِلَيْهِ
فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك إِذْ بعث الله الْمَسِيح ابْن مَرْيَم فَينزل عِنْد المنارة الْبَيْضَاء شَرْقي دمشق بَين مهرودتين وَاضِعا يَده على أَجْنِحَة ملكَيْنِ فيتبعه فيدركه فيقتله عِنْد بَاب لدّ الشَّرْقِي فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك أوحى الله إِلَى عِيسَى ابْن مَرْيَم: أَنِّي قد أخرجت عباداً
(5/675)
من عبَادي لَا يدان لَك بقتالهم فحرز عبَادي إِلَى الطّور
فيبعث الله يَأْجُوج وَمَأْجُوج كَمَا قَالَ الله: {وهم من كل حدب يَنْسلونَ} فيرغب عِيسَى وَأَصْحَابه إِلَى الله فَيُرْسل عَلَيْهِم نغفاً فِي رقابهم فيصبحون موتى كموت نفس وَاحِدَة فيهبط عِيسَى وَأَصْحَابه إِلَى الأَرْض فيجدون نَتن ريحهم فيرغب عِيسَى وَأَصْحَابه إِلَى الله فَيُرْسل الله عَلَيْهِم طيراً كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حَيْثُ شَاءَ الله وَيُرْسل الله مَطَرا لَا يكن مِنْهُ بَيت مدر وَلَا بر أَرْبَعِينَ يَوْمًا فتغسل الأَرْض حَتَّى تتركها زلفة وَيُقَال للْأَرْض: أنبتي ثمرتك فَيَوْمئِذٍ يَأْكُل النَّفر من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك فِي الرُّسُل حَتَّى أَن اللقحة من الْإِبِل لتكفي الفئام من النَّاس واللقحة من الْبَقر تَكْفِي الْفَخْذ وَالشَّاة من الْغنم تَكْفِي الْبَيْت فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك إِذْ بعث الله ريحًا طيبَة تَحت آباطهم فتقبض روح كل مُسلم وَيبقى شرار النَّاس يتهارجون تهارج الْحمر وَعَلَيْهِم تقوم السَّاعَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: ذكر لنا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَو نتجت فرس عِنْد خُرُوجهمْ مَا ركب فلوها حَتَّى تقوم السَّاعَة
وَأخرج ابْن جرير عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أول الْآيَات: الدَّجَّال ونزول عِيسَى ونار تخرج من قَعْر عدن تَسوق النَّاس إِلَى الْمَحْشَر تقيل مَعَهم إِذا قَالُوا وتبيت مَعَهم إِذا باتوا وَالدُّخَان وَالدَّابَّة ويأجوج وَمَأْجُوج
قَالَ حُذَيْفَة: قلت: يَا رَسُول الله مَا يَأْجُوج وَمَأْجُوج قَالَ: يَأْجُوج وَمَأْجُوج أُمَم كل أمة أَرْبَعمِائَة ألف أمة
لَا يَمُوت الرجل مِنْهُم حَتَّى يرى ألف عين تَطوف بَين يَدَيْهِ من صلبه وهم ولد آدم فيسيرون إِلَى خراب الدُّنْيَا وَيكون مقدمتهم بِالشَّام وساقتهم بالعراق فيمرون بأنهار الدُّنْيَا فيشربون الْفُرَات ودجلة وبحيرة طبرية حَتَّى يأْتونَ بَيت الْمُقَدّس فَيَقُولُونَ: قد قتلنَا أهل الدُّنْيَا فَقَاتلُوا من فِي السَّمَاء فيرمون بالنشاب إِلَى السَّمَاء فترجع نشابتهم مخضبة بِالدَّمِ فَيَقُولُونَ: قد قتلنَا من فِي السَّمَاء
وَعِيسَى والمسلمون بجبل طور سينين فَيُوحِي الله إِلَى عِيسَى: أَن أحرز عبَادي بِالطورِ وَمَا يَلِي أَيْلَة ثمَّ إِن عِيسَى يرفع يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء ويؤمن الْمُسلمُونَ فيبعث الله عَلَيْهِم دَابَّة يُقَال لَهَا النغف
تدخل فِي مناخرهم فيصبحون موتى من حاق الشَّام إِلَى حاق الْمشرق حَتَّى تنتن الأَرْض من جيفهم وَيَأْمُر الله السَّمَاء فتمطر كأفواه الْقرب فتغسل الأَرْض من جيفهم ونتنهم فَعِنْدَ ذَلِك طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا
(5/676)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: يخرج يَأْجُوج وَمَأْجُوج فيموجون فِي الأَرْض فيفسدون فِيهَا
ثمَّ قَرَأَ ابْن مَسْعُود {وهم من كل حدب يَنْسلونَ} قَالَ: ثمَّ يبْعَث الله عَلَيْهِم دَابَّة مثل النغف فتلج فِي أسماعهم ومناخرهم فيموتون مِنْهَا فتنتن الأَرْض مِنْهُم فَيُرْسل الله مَاء فيطهر الأَرْض مِنْهُم
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عَطِيَّة قَالَ: قَالَ أَبُو سعيد: يخرج يَأْجُوج وَمَأْجُوج فَلَا يتركون أحدا إِلَّا قَتَلُوهُ إِلَّا أهل الْحُصُون فيمرون على الْبحيرَة فيشربونها فيمر الْمَار فَيَقُول: كَأَنَّهُ كَانَ هَهُنَا مَاء فيبعث الله عَلَيْهِم النغف حَتَّى يكسر أَعْنَاقهم فيصيروا خبالاً فَيَقُول أهل الْحُصُون: لقد هلك أَعدَاء الله
فيرسلون رجلا لينْظر ويشرط عَلَيْهِم إِن وجدهم أَحيَاء أَن يرفعوه فيجدهم قد هَلَكُوا
فَينزل الله مَاء من السَّمَاء فيقذف بهم فِي الْبَحْر فَتطهر الأَرْض مِنْهُم ويغرس النَّاس بعدهمْ الشّجر وَالنَّخْل وَتخرج الأَرْض ثَمَرهَا كَمَا كَانَت تخرج فِي زمن يَأْجُوج وَمَأْجُوج
وَأخرج ابْن جرير عَن كَعْب قَالَ: إِذا كَانَ عِنْد خُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج حفروا حَتَّى يسمع الَّذِي يَلُونَهُمْ قرع فؤوسهم فَإِذا كَانَ اللَّيْل قَالُوا: نجي غَدا نخرج
فيعيده الله كَمَا كَانَ فيجيئون غَدا فيحفرون حَتَّى يسمع الَّذين يَلُونَهُمْ قرع فؤوسهم فَإِذا كَانَ اللَّيْل قَالُوا: نجي فنخرج فيجيئون من الْغَد فيجدونه قد أَعَادَهُ الله تَعَالَى كَمَا كَانَ فيحفرونه حَتَّى يسمع الَّذين يَلُونَهُمْ قرع فؤوسهم فَإِذا كَانَ اللَّيْل ألْقى الله على لِسَان رجل مِنْهُم يَقُول: نجيء غَدا فنخرج إِن شَاءَ الله
فيجيئون من الْغَد فيجدونه كَمَا تَرَكُوهُ فيخرقون ثمَّ يخرجُون فتمر الزمرة الأولى بالبحيرة فيشربون ماءها ثمَّ تمر الزمرة الثَّانِيَة فيلحسون طينها ثمَّ تمر الزمرة الثَّالِثَة فَيَقُولُونَ: كَانَ هَهُنَا مرّة مَاء
ويفر النَّاس مِنْهُم وَلَا يقوم لَهُم شَيْء ويرمون بسهامهم إِلَى السَّمَاء فترجع مخضبة بالدماء فَيَقُولُونَ: غلبنا أهل الأَرْض وَأهل السَّمَاء فيدعو عَلَيْهِم عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول: اللَّهُمَّ لَا طَاقَة وَلَا يَد لنا بهم فاكفناهم بِمَا شِئْت
فَيُرْسل الله عَلَيْهِم دوداً يُقَال لَهُ: النغف فتقرس رقابهم وَيبْعَث الله عَلَيْهِم طيراً فتأخذهم بمناقيرها فتلقيهم فِي الْبَحْر وَيبْعَث الله تَعَالَى عينا يُقَال لَهَا الْحَيَاة تطهر الأَرْض مِنْهُم وينبتها حَتَّى أَن الرمانة ليشبع مِنْهَا السكن قيل: وَمَا السكن يَا كَعْب قَالَ: أهل الْبَيْت
قَالَ: فَبينا النَّاس كَذَلِك إِذْ أَتَاهُم الصُّرَاخ أَن ذَا السويقتين أَتَى الْبَيْت يُريدهُ
فيبعث عِيسَى طَلِيعَة سَبْعمِائة أَو بَين السبعمائة والثمانمائة حَتَّى إِذا كَانُوا بِبَعْض الطَّرِيق
(5/677)
يبْعَث الله ريحًا يَمَانِية طيبَة فَيقبض فِيهَا روح كل مُؤمن ثمَّ يبْقى محاح من النَّاس فيتسافدون كَمَا تتسافد الْبَهَائِم فَمثل السَّاعَة كَمثل رجل يطِيف حول فرسه ينظرها مَتى تضع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: مَا كَانَ مُنْذُ كَانَت الدُّنْيَا رَأس مائَة سنة إِلَّا كَانَ عِنْد رَأس الْمِائَة أَمر
قَالَ: فتحت يَأْجُوج وَمَأْجُوج
وهم كَمَا قَالَ الله: {من كل حدب يَنْسلونَ} فَيَأْتِي أوّلهم على نهر عجاج فيشربونه كُله حَتَّى مَا يبْقى مِنْهُ قَطْرَة وَيَأْتِي آخِرهم فيمر فَيَقُول: قد كَانَ هَهُنَا مرّة مَاء فيفسدون فِي الأَرْض ويحاصرون الْمُؤمنِينَ فِي مَدِينَة إليا فيقولن: لم يبْق فِي الأَرْض أحد إِلَّا قد ذبحناه
هلموا نرمي من فِي السَّمَاء
فيرمون فِي السَّمَاء فترجع إِلَيْهِم سِهَامهمْ فِي نصلها الدَّم فَيَقُولُونَ: مَا بَقِي فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء أحد إِلَّا وَقد قَتَلْنَاهُ
فَيَقُول الْمُؤْمِنُونَ: يَا روح الله ادْع الله عَلَيْهِم
فيدعو عَلَيْهِم فيبعث الله فِي آذانهم النغف فيقتلهم جَمِيعًا فِي لَيْلَة وَاحِدَة حَتَّى تنتن الأَرْض من جيقهم فَيَقُول الْمُؤْمِنُونَ: يَا روح الله ادْع الله فَإنَّا نخشى أَن نموت من نَتن جيفهم
فيدعو الله فَيُرْسل عَلَيْهِم وابلاً من السَّمَاء فيجعلهم سيلاً فيقذفهم فِي الْبَحْر
وَأخرج ابْن جرير عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَو أَن رجلا اقتنى فلواً بعد خُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج لم يركبه حَتَّى تقوم السَّاعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ليحجن هَذَا الْبَيْت وليعتمرن بعد خُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد {واقترب الْوَعْد الْحق} قَالَ: اقْترب يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عَن الرّبيع {واقترب الْوَعْد الْحق} قَالَ: قَامَت عَلَيْهِم السَّاعَة
الْآيَة 98 - 104
(5/678)
لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103) يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111) قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)

الأنبياء - تفسير الدر المنثور
إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103) يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما نزلت {إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون الله حصب جَهَنَّم أَنْتُم لَهَا وَارِدُونَ} قَالَ الْمُشْركُونَ: فالملائكة وَعِيسَى وعزير يعْبدُونَ من دون الله
فَنزلت {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون} عِيسَى وعزير وَالْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ عبد الله بن الزِّبَعْرَى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: تزْعم أَن الله أنزل عَلَيْك هَذِه الْآيَة {إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون الله حصب جَهَنَّم أَنْتُم لَهَا وَارِدُونَ} قَالَ ابْن الزِّبَعْرَى: قد عبدت الشَّمْس وَالْقَمَر وَالْمَلَائِكَة وعزير وَعِيسَى ابْن مَرْيَم كل هَؤُلَاءِ فِي النَّار مَعَ آلِهَتنَا فَنزلت (وَلما ضرب ابْن مَرْيَم مثلا إِذا قَوْمك مِنْهُ يصدون) وَقَالُوا أآلهتنا خير أم هُوَ مَا ضربوه لَك إِلَّا جدلاً بل هم قوم خصمون) (الزخرف آيَة 57) ثمَّ نزلت {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون}
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما نزلت {إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون الله حصب جَهَنَّم أَنْتُم لَهَا وَارِدُونَ} شقّ ذَلِك على أهل مَكَّة
وَقَالُوا: شتم الْآلهَة
فَقَالَ ابْن الزِّبَعْرَى: أَنا أخصم لكم مُحَمَّدًا ادعوهُ لي فدعي
فَقَالَ: يَا مُحَمَّد هَذَا شَيْء لِآلِهَتِنَا خَاصَّة أم لكل عبد من دون الله قَالَ: بل لكل من عبد من دون الله
فَقَالَ ابْن الزِّبَعْرَى: خصمت
وَرب هَذِه البنية يَعْنِي الْكَعْبَة أَلَسْت تزْعم يَا مُحَمَّد أَن عِيسَى عبد صَالح وَأَن عُزَيْرًا عبد صَالح وَأَن الْمَلَائِكَة صَالِحُونَ
(5/679)
قَالَ: بلَى
قَالَ: فَهَذِهِ النَّصَارَى تعبد عِيسَى
وَهَذِه الْيَهُود
تعبد عُزَيْرًا وَهَذِه بَنو مليح تعبد الْمَلَائِكَة فَضَجَّ أهل مَكَّة وفرحوا فَنزلت {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى} عُزَيْر وَعِيسَى وَالْمَلَائِكَة {أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون} وَنزلت (وَلما ضرب ابْن مَرْيَم مثلا إِذا قَوْمك مِنْهُ يصدون) (الزخرف آيَة 57) قَالَ: هُوَ الصَّحِيح
وَأخرج الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون الله حصب جَهَنَّم أَنْتُم لَهَا وَارِدُونَ} ثمَّ نسختها {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون} يَعْنِي عِيسَى وَمن كَانَ مَعَه
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك {إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون الله} يَعْنِي الْآلهَة وَمن يَعْبُدهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {حصب جَهَنَّم} قَالَ: وقودها
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {حصب جَهَنَّم} قَالَ: شجر جَهَنَّم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {حصب جَهَنَّم} قَالَ: حطب جَهَنَّم بالزنجية
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {حصب جَهَنَّم} قَالَ: حطب جَهَنَّم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {حصب جَهَنَّم} قَالَ: يقذفون فِيهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {حصب جَهَنَّم} قَالَ: حطبها
قَالَ بعض الْقُرَّاء حطب جَهَنَّم من قِرَاءَة عَائِشَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {حصب جَهَنَّم} يَقُول: إِن جَهَنَّم تحصب بهم وَهُوَ الرَّمْي: يَقُول: يَرْمِي بهم فِيهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: حضب جَهَنَّم بالضاد
(5/680)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة النَّار وَالطَّبَرَانِيّ الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا بَقِي فِي النَّار من يخلد فِيهَا جعلُوا فِي توابيت من حَدِيد النَّار فِيهَا مسامير من حَدِيد نَار ثمَّ جعلت تِلْكَ التوابيت فِي توابيت من حَدِيد ثمَّ قذفوا فِي أَسف الْجَحِيم فَمَا يرى أحدهم أَنه يعذب فِي النَّار غَيره
ثمَّ قَرَأَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ {لَهُم فِيهَا زفير وهم فِيهَا لَا يسمعُونَ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى} قَالَ: عِيسَى وَالْمَلَائِكَة وعزير
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون} قَالَ: عِيسَى وعزير وَالْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق أصبغ عَن عَليّ فِي قَوْله: {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى} الْآيَة
قَالَ: كل شَيْء يعبد من دون الله فِي النَّار إِلَّا الشَّمْس وَالْقَمَر وَعِيسَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى} قَالَ: أُولَئِكَ أَوْلِيَاء الله يَمرونَ على الصِّرَاط مرا هُوَ أسْرع من الْبَرْق فَلَا تصيبهم و {يسمعُونَ حَسِيسهَا} وَيبقى الْكفَّار فِيهَا حَبِيسًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن عدي وَابْن مرْدَوَيْه عَن النُّعْمَان بن بشير: أَن عليا قَرَأَ {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون} فَقَالَ: أَنا مِنْهُم وَعمر مِنْهُم وَعُثْمَان مِنْهُم وَالزُّبَيْر مِنْهُم وَطَلْحَة مِنْهُم وَسعد وَعبد الرَّحْمَن مِنْهُم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ فِي قَوْله: {لَا يسمعُونَ حَسِيسهَا} قَالَ: حيات على الصِّرَاط تلسعهم فَإِذا لسعتهم قَالُوا: حس
حس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {لَا يسمعُونَ حَسِيسهَا} قَالَ: حيات على الصِّرَاط تَقول: حس حس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى} قَالَ: السَّعَادَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُحَمَّد بن حَاطِب قَالَ:
(5/681)
سُئِلَ عَليّ عَن هَذِه الْآيَة {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى} قَالَ: هُوَ عُثْمَان وَأَصْحَابه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَا يسمعُونَ حَسِيسهَا} يَقُول: لَا يسمع أهل الْجنَّة حسيس أهل النَّار إِذا نزلُوا مَنَازِلهمْ من الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان {لَا يسمعُونَ حَسِيسهَا} قَالَ: صَوتهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة وَالْحسن الْبَصْرِيّ قَالَا: قَالَ فِي سُورَة الْأَنْبِيَاء {إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون الله حصب جَهَنَّم أَنْتُم لَهَا وَارِدُونَ} إِلَى قَوْله: {وهم فِيهَا لَا يسمعُونَ} ثمَّ اسْتثْنى فَقَالَ: {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون} فقد عبدت الْمَلَائِكَة من دون الله وعزير وَعِيسَى
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ: يَقُول نَاس من النَّاس: إِن الله قَالَ: {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون} يَعْنِي من النَّاس أَجْمَعِينَ وَلَيْسَ كَذَلِك إِنَّمَا يَعْنِي من يعبد الله تَعَالَى وَهُوَ لله مُطِيع مثل عِيسَى وَأمه وعزير وَالْمَلَائِكَة
وَاسْتثنى الله تَعَالَى هَؤُلَاءِ من الْآلهَة المعبودة الَّتِي هِيَ مَعَ من يَعْبُدهَا فِي النَّار
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة النَّار عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَا يحزنهم الْفَزع الْأَكْبَر} قَالَ: أذا أطبقت جَهَنَّم على أَهلهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَا يحزنهم الْفَزع الْأَكْبَر} يَعْنِي النفخة الْآخِرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {لَا يحزنهم الْفَزع الْأَكْبَر} قَالَ: النَّار إِذا أطبقت على أَهلهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن الْحسن {لَا يحزنهم الْفَزع الْأَكْبَر} قَالَ: أذا أطبقت النَّار عَلَيْهِم يَعْنِي على الْكفَّار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {لَا يحزنهم الْفَزع الْأَكْبَر} قَالَ: انصراف العَبْد حِين يُؤمر بِهِ إِلَى النَّار
وَأخرج ابْن جرير فِي قَوْله: {لَا يحزنهم الْفَزع الْأَكْبَر} قَالَ: حِين تطبق جَهَنَّم
وَقَالَ: حِين ذبح الْمَوْت
(5/682)
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن للمهاجرين مَنَابِر من ذهب يَجْلِسُونَ عَلَيْهَا يَوْم الْقِيَامَة قد أمنُوا من الْفَزع
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة أَن رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بشر المدلجين فِي الظُّلم بمنابر من نور يَوْم الْقِيَامَة يفزع النَّاس وَلَا يفزعون
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: المتحابون فِي الله فِي ظلّ الله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله على مَنَابِر من نور يفزع النَّاس وَلَا يفزعون
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ثَلَاثَة على كُثْبَان الْمسك لَا يهولهم الْفَزع الْأَكْبَر يَوْم الْقِيَامَة: رجل أمَّ قوما وهم بِهِ راضون وَرجل كَانَ يُؤذن فِي كل يَوْم وَلَيْلَة وَعبد أدّى حق الله وَحقّ موَالِيه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وتتلقاهم الْمَلَائِكَة} قَالَ: تتلقاهم الْمَلَائِكَة الَّذين كَانُوا قرناءهم فِي الدُّنْيَا يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُولُونَ: نَحن أولياؤكم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة لَا نفارقكم حَتَّى تدْخلُوا الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {هَذَا يومكم الَّذِي كُنْتُم توعدون} قَالَ: هَذَا قبل أَن يدخلُوا الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَليّ فِي قَوْله: {كطي السّجل} قَالَ: ملك
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطِيَّة قَالَ: السّجل اسْم ملك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر فِي قَوْله: {يَوْم نطوي السَّمَاء كطي السّجل} قَالَ: السّجل ملك فَإِذا صد بالاستغفار قَالَ: اكتبوها نورا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن أبي جَعْفَر الباقر قَالَ: السّجل ملك وَكَانَ هاروت وماروت من أعوانه وَكَانَ لَهُ كل يَوْم ثَلَاث لمحات ينظرهن فِي أم الْكتاب فَنظر نظرة لم تكن لَهُ فأبصر فِيهَا خلق آدم وَمَا فِيهِ من الْأُمُور فأسّر ذَلِك إِلَى هاروت وماروت فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى: (إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة قَالُوا أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا) (الْبَقَرَة آيَة 30) قَالَ: ذَلِك استطالة على الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: السّجل ملك مُوكل بالصحف فَإِذا مَاتَ دفع كِتَابه إِلَى السّجل فطواه وَرَفعه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
(5/683)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: السّجل الصَّحِيفَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مَنْدَه فِي الْمعرفَة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: السّجل كَاتب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن عدي وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ لرَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم كَاتب يُسمى السّجل وَهُوَ قَوْله: {يَوْم نطوي السَّمَاء كطي السّجل للكتب}
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: السّجل هُوَ الرجل زَاد ابْن مرْدَوَيْه بلغَة الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كطي السّجل للكتب} قَالَ: كطي الصَّحِيفَة على الْكتاب
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كَمَا بدأنا أوّل خلق نعيده} يَقُول: نهلك كل شَيْء كَمَا كَانَ أوّل مرّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {كَمَا بدأنا أوّل خلق نعيده} قَالَ: عُرَاة حُفَاة غرلًا
وَأخرج ابْن جرير عَن عَائِشَة قَالَت: دخل عليَّ رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم وَعِنْدِي عَجُوز من بني عَامر فَقَالَ: من هَذِه الْعَجُوز يَا عَائِشَة فَقلت: إِحْدَى خَالَاتِي
فَقَالَت: ادْع الله أَن يدخلني الْجنَّة
فَقَالَ: إِن الْجنَّة لَا يدخلهَا الْعَجُوز
فَأخذ الْعَجُوز مَا أَخذهَا فَقَالَ: إِن الله تَعَالَى ينشهنه خلقا غير خَلقهنَّ ثمَّ قَالَ: تحشرون حُفَاة عُرَاة غلفًا
فَقَالَت: حاشا لله من ذَلِك
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بلَى
إِن الله تَعَالَى قَالَ: {كَمَا بدأنا أوّل خلق نعيده وَعدا علينا إِنَّا كُنَّا فاعلين} فَأول من يكسى إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: يَبْعَثهُم الله يَوْم الْقِيَامَة على قامة آدم وجسمه وَلسَانه السريانية عُرَاة حُفَاة غرلًا كَمَا ولدُوا
الْآيَة 105 - 108
(5/684)
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور من بعد الذّكر} الْقُرْآن {أَن الأَرْض} قَالَ: أَرض الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور من بعد الذّكر} قَالَ: يَعْنِي بِالذكر كتبنَا فِي الْقُرْآن من بعد التَّوْرَاة و {الأَرْض} أَرض الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور من بعد الذّكر} يَعْنِي بِالذكر التَّوْرَاة وَيَعْنِي بالزبور الْكتب من بعد التَّوْرَاة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور} قَالَ: الْكتب
{من بعد الذّكر} قَالَ: التَّوْرَاة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: الزبُور التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن وَالذكر الأَصْل الَّذِي نسخت مِنْهُ هَذِه الْكتب الَّذِي فِي السَّمَاء وَالْأَرْض أَرض الْجنَّة
وَأخرج هناد وَعبد بن حميد وَابْن جريرعن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور} قَالَ: الزبُور التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن {من بعد الذّكر} قَالَ: الذّكر الَّذِي فِي السَّمَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: الزبُور الْكتب وَالذكر أم الْكتاب عِنْد الله وَالْأَرْض الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: الزبُور الْكتب الَّتِي أنزلت على الْأَنْبِيَاء وَالذكر أم الْكتاب الَّذِي يكْتب فِيهِ الْأَشْيَاء قبل ذَلِك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أَن الأَرْض يَرِثهَا عبَادي الصالحون} قَالَ: أَرض الْجنَّة
(5/685)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور} الْآيَة
قَالَ: أخبر الله سُبْحَانَهُ فِي التَّوْرَاة وَالزَّبُور وسابق علمه قبل أَن تكون السَّمَوَات وَالْأَرْض أَن يُورث أمة مُحَمَّد الأَرْض ويدخلهم الْجنَّة وهم {الصالحون} وَفِي قَوْله: {لبلاغاً لقوم عابدين} قَالَ: عَالمين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور من بعد الذّكر أَن الأَرْض يَرِثهَا عبَادي الصالحون} قَالَ: أَرض الْجنَّة يَرِثهَا الَّذين يصلونَ الصَّلَوَات الْخمس فِي الْجَمَاعَات
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن الشّعبِيّ فِي قَوْله: {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور من بعد الذّكر} قَالَ: فِي زبور دَاوُد {من بعد} ذكر مُوسَى التَّوْرَاة {أَن الأَرْض يَرِثهَا} قَالَ: الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: كتب الله فِي زبور دَاوُد بعد التَّوْرَاة
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله: {أَن الأَرْض يَرِثهَا} قَالَ: الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {أَن الأَرْض يَرِثهَا عبَادي الصالحون} قَالَ: الْجنَّة وَقَرَأَ (وَقَالُوا الْحَمد لله الَّذِي صدقنا وعده وأورثنا الأَرْض نتبوّأ من الْجنَّة حَيْثُ نشَاء) (الزمر آيَة 74) قَالَ: فالجنة مبتدؤها فِي الأَرْض ثمَّ تذْهب درجاً علوّا
وَالنَّار مبتدؤها فِي الأَرْض وَبَينهمَا حجاب سور مَا يدْرِي أحد مَا ذَاك السُّور
وَقَرَأَ (بَاب بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة وَظَاهره من قبله الْعَذَاب) (الْحَدِيد آيَة 13) قَالَ: ودرجها تذْهب سفالاً فِي الأَرْض ودرج الْجنَّة تذْهب علوّاً فِي السَّمَاء
وَأخرج ابْن جرير عَن صَفْوَان قَالَ: سَأَلت عَامر بن عبد الله أَبَا الْيَمَان هَل لأنفس الْمُؤمنِينَ مُجْتَمع فَقَالَ: يَقُول الله: {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور من بعد الذّكر أَن الأَرْض يَرِثهَا عبَادي الصالحون} قَالَ: هِيَ الأَرْض الَّتِي تجمع إِلَيْهَا أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ حَتَّى يكون الْبَعْث
(5/686)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ الله تَعَالَى: {أَن الأَرْض يَرِثهَا عبَادي الصالحون} فَنحْن الصالحون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {إِن فِي هَذَا لبلاغاً} قَالَ: كل ذَلِك يُقَال: إِن فِي هَذِه السُّورَة وَفِي هَذَا الْقُرْآن لبلاغاً
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {أَن فِي هَذَا لبلاغاً لقوم عابدين} قَالَ: إِن فِي هَذَا لمَنْفَعَة وعلماً {لقوم عابدين} ذَلِك الْبَلَاغ
وَأخرج ابْن جرير عَن كَعْب الْأَحْبَار {إِن فِي هَذَا لبلاغاً لقوم عابدين} قَالَ: لأمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير عَن كَعْب فِي قَوْله: {إِن فِي هَذَا لبلاغاً لقوم عابدين} قَالَ: صَوْم شهر رَمَضَان والصلوات الْخمس
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن أبي هُرَيْرَة {إِن فِي هَذَا لبلاغاً لقوم عابدين} قَالَ: فِي الصَّلَوَات الْخمس شغلاً لِلْعِبَادَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ هَذِه الْآيَة {لبلاغاً لقوم عابدين} قَالَ: هِيَ الصَّلَوَات الْخمس فِي الْمَسْجِد الْحَرَام جمَاعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن مُحَمَّد بن كَعْب {أَن فِي هَذَا لبلاغاً لقوم عابدين} قَالَ: الصَّلَوَات الْخمس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {لقوم عابدين} قَالَ: الَّذين يُحَافِظُونَ على الصَّلَوَات الْخمس فِي الْجَمَاعَة
وَأخرج عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {لقوم عابدين} قَالَ: عاملين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة للْعَالمين} قَالَ: من آمن تمت لَهُ الرَّحْمَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن لم يُؤمن عوفي مِمَّا كَانَ يُصِيب الْأُمَم فِي عَاجل الدُّنْيَا من الْعَذَاب من المسخ والخسف وَالْقَذْف
وَأخرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قيل يَا رَسُول الله ادْع على الْمُشْركين
قَالَ: إِنِّي لم أبْعث لعاناً وَإِنَّمَا بعثت رَحْمَة
(5/687)
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله بَعَثَنِي رَحْمَة للْعَالمين وَهدى لِلْمُتقين
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ عَن سلمَان: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيّمَا رجل من أمتِي سببته سبة فِي غَضَبي أَو لعنته لعنة فَإِنَّمَا أَنا رجل من ولد آدم أغضب كَمَا تغضبون وَإِنَّمَا بَعَثَنِي رَحْمَة للْعَالمين وأجعلها عَلَيْهِ صَلَاة يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا أَنا رَحْمَة مهداة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قيل يَا رَسُول الله أَلا تلعن قُريْشًا بِمَا أَتَوا إِلَيْك فَقَالَ: لم أبْعث لعاناً إِنَّمَا بعثت رَحْمَة يَقُول الله: {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة للْعَالمين}
الْآيَة 109 - 110
(5/688)
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {على سَوَاء} قَالَ: على مهل
الْآيَة 111 - 112
(5/688)
وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111) قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن عَسَاكِر عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أسرِي بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {وَإِن أَدْرِي لَعَلَّه فتْنَة لكم ومتاع إِلَى حِين} يَقُول: هَذَا الْملك
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الشّعبِيّ قَالَ: لما سلم الْحسن بن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - الْأَمر إِلَى مُعَاوِيَة قَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: قُم فَتكلم فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: إِن هَذَا الْأَمر تركته لمعاوية
إِرَادَة إصْلَاح الْمُسلمين وحقن دِمَائِهِمْ {وَإِن أَدْرِي لَعَلَّه فتْنَة لكم ومتاع إِلَى حِين} ثمَّ اسْتغْفر وَنزل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: خطب الْحسن رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: أما بعد:
(5/688)
أَيهَا النَّاس إِن الله هدَاكُمْ بأوّلنا وحقن دمائكم بآخرنا وَإِن لهَذَا الْأَمر مُدَّة وَالدُّنْيَا دوَل وَإِن الله تَعَالَى قَالَ لنَبيه: {وَإِن أَدْرِي أَقَرِيب أم بعيد مَا توعدون} إِلَى قَوْله: {ومتاع إِلَى حِين} الدَّهْر كُله
وَقَوله: (هَل أَتَى على الإِنسان حِين من الدَّهْر) (الْإِنْسَان آيَة 1) الدَّهْر: الدَّهْر كُله
وَقَوله: (تؤتي أكلهَا كل حِين بِإِذن رَبهَا) (إِبْرَاهِيم آيَة 25) قَالَ: هِيَ النَّخْلَة من حِين تثمر إِلَى أَن تصرم
وَقَوله: (ليسجننه حَتَّى حِين) (يُوسُف آيَة 35)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَإِن أَدْرِي لَعَلَّه فتْنَة لكم} يَقُول: مَا أخْبركُم بِهِ من الْعَذَاب والساعة أَن يُؤَخر عَنْكُم لمدتكم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {قَالَ رب احكم بِالْحَقِّ} قَالَ: لَا يحكم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِن إِنَّمَا يستعجل بذلك فِي الدُّنْيَا يسْأَل ربه على قومه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة: أَن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا شهد قتالاً قَالَ: {رب احكم بِالْحَقِّ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَت الْأَنْبِيَاء تَقول: (رَبنَا افْتَحْ بَيْننَا وَبَين قَومنَا بِالْحَقِّ وَأَنت خير الفاتحين) (الْأَعْرَاف آيَة 89) فَأمر الله نبيه أَن يَقُول: {رب احكم بِالْحَقِّ} أَي اقْضِ بِالْحَقِّ
وَكَانَ رَسُول الله - صلى عَلَيْهِ وَسلم - يعلم أَنه على الْحق وَأَن عدوّه على الْبَاطِل وَكَانَ إِذا لَقِي العدوّ قَالَ: {رب احكم بِالْحَقِّ} وَالله أعلم  (5/689)
 ==========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ترجمة سورة الانبياء بالانجليزية

  ترجمة سورة الأنبياء للغة الإنجليزي ة.